الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فموضوع درسنا هو امتداد لدرسنا في كتاب أصول اعتقاد أهل السنة للإمام اللالكائي، وهو يتعلق بحكم المعاملة والتعامل مع أهل البدع، فهل يجوز لأهل السنة أن يختلطوا بأهل البدع؟ وما هي حدود هذا الاختلاط، سواءً كانوا علماء أو من دهماء الناس؟ إن هذا الموضوع في غاية الخطورة، مع أن كثيراً من الشباب وخاصة شباب الصحوة يستهينون بهذا الأمر، وما وقع كثير من الناس فيما وقعوا فيه من الشر إلا لأنهم تعرضوا لأهل البدع بالجدال والخصومة والمناقشة، واقتنعوا بمذهبهم وآرائهم، ولعلي أذكر أنه في عام (1975) لما ظهرت جماعة التكفير كنت آنذاك في الثانوية العامة، فلما عرضوا علي فكرهم، قلت: ما الذي يمنعني أن أجلس معهم، وأن أسمع منهم، فإن أعجبني وكان موافقاً لديني أخذته، وإن لم يعجبني رددته.
وهذا القول بلا شك فيه مجازفة فضلاً عن تزكية النفس، وفي تلك السنة أين أنا من ديني أولاً؟ هل تعلمته؟ وعن أي من أهل العلم أخذت ديني في ذلك الوقت؟ فلما جالستهم اقتنعت جداً بما طرحوه علي، لكني خشيت من النظام الإداري العام والإطار العام للجماعة، فقلت: دعوني حتى أنظر في رأيي، فلما تركوني ما فررت منهم إلا خوفاً منهم، أما الكلام الذي طرحوه علي فالكلام مقنع جداً، فإنهم قد حملوا نصوص الوعيد على ظاهرها كما حملها الخوارج تماماً.
وفي ذلك الوقت قالوا لي: كل عاصٍ لله تعالى كافر، أليس الأمر كذلك؟ قلت: بلى.
ووافقتهم على أن كل عاص كافر، فصاروا يعددون لي المعاصي وسائر الذنوب، وأنا أوافق على أن مرتكبها كافر.
كما قالوا لي: إن الذي يحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم وبغير الله وأسمائه وصفاته كافر؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك).
فلو أنك قلت: إنه ليس بكافر، فلابد وأن تكفر، وإما أن تقول بظاهر الحديث؛ لأنك لو لم تقل بظاهره لكنت معطلاً للنصوص، فخشيت أن أكون معطلاً للنصوص، فوافقتهم على ذلك الفكر.
وما هي إلا أيام بفضل الله تبارك وتعالى وقيض الله لنا رجلاً من أهل العلم، فسألناه فهدانا إلى الطريق الحق، فتركناهم وتركونا.
ولكني أسأل نفسي: ما الذي حملني على خصومتهم وجدالهم؟ إنه الجهل، إنه الهوى، وعدم اتباع أهل العلم.
وهذا رجل منذ ستة أشهر يسكن في منزله في أمريكا قابلته ينادي بتجديد الشريعة والدين، فقالوا: إنها فرصة لتجلس معه.
فقلت: بل ليست فرصة، فإن أصحاب البدع متخصصون في بدعتهم، وأنا غير متخصص فيها، وصاحب البدعة لا ينظر ولا يبحث في دين الله إلا عما يؤيد بدعته، وأنت إذا لم تكن عالماً في أصل كلامه ومخرجه والرد عليه سرعان ما يهزمك.
فقلت: بل هي ليست بفرصة، وإنما الفرصة كل الفرصة أن تبتعدوا أنتم عني.
فهذه نصيحتي لكم أنقلها لكم عن أهل العلم فلان وفلان وفلان، واعتبروا أن الذي أقوله هو هزيمة نفسية مني، واقتربوا منه وحملوا عنه، ولما رأوا أن ذهابهم إليه في بيته أمر يشق عليهم جعلوه شريكاً لهم في سكنهم.
وفي الزيارة الثانية وجدت أن القوم أجمعين قد اقتنعوا بمذهبه، فلما رأيت الخطر عظيماً، والتقينا على مائدة إفطار في رمضان.
قال لي: ماذا تقول في التجديد؟ قلت: هي دعوى قال بها قاسم أمين وصاحبه.
قال: وما رأيك فيها؟ قلت: نحن لا ننظر برأينا، وإنما نحتاج إلى كلام قاله نبينا صلى الله عليه وسلم، فهل قال بالتجديد عليه الصلاة والسلام؟ فقال: وهل قال النبي عليه الصلاة والسلام بكيت وكيت وكيت؟ ثم أليس هذا الكلام كله قد حدث بعده؟ قلت: وعليه إجماع.
لأنه ذكر لي: وهل جمع القرآن النبي عليه الصلاة والسلام؟ وهل نص على خلافة فلان وفلان؟ قلت: قد أجمع عليها أهل العلم.
قال: بل خالفهم الشيعة.
قلت: الشيعة لا عبرة بخلافهم؛ لأنهم أهل البدع.
فقال: بل الشيعة أهل حق.
وانتبه إلى هذا، فقد نصب أهل البدعة وجعلهم أصحاب الحق.
قلت: إذا كان الشيعة أهل حق فماذا تقول في معاوية؟ فقال فيه قولاً عظيماً لا أجرؤ أن أنقله لكم.
قلت: أنت بهذا قد رفعت الشيعة، وسببت صحابياً من صحابة النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا شأن أهل البدع، إذ إنهم يقعون في الأخيار ويرفعون الأشرار، فلابد أن تعلم أن هذه سمة أهل البدع وأنت واقع فيها.
قال: أنت تتهمني بأني من أهل البدع؟ قلت: أنا لا أتهمك، ولكني أقرر أنك من أهل البدع.
ثم قلت له: فماذا يعني التجديد في نظرك؟ قال: النظر إلى النصوص بوجهة نظر عصرية.
قلت: اضرب لي مثلاً على ذلك، فقال: لابد أن يخرج فينا من يسب القرآن ويطعن فيه حتى يعظم القرآن في قلوب أهل السنة.
قلت: قد ظهر هذا عن بعض الناس، فوجد من يشكك في القرآن ويطعن فيه، مثل: قاسم أمين ونصر أبو زيد، هل تريد شيئاً آخر، وهل لا يعظم عندك الأمر إلا إذا طعن في القرآن؟ قال: نعم.
قلت: إن أهل السنة غير ذلك، فهم يعظمون ويبجلون أوامر الله تبارك وتعالى لأول وهلة، {