قال: [وكان من أعظم مقول -أي: من أعظم الأدلة والنصوص- وأوضح حجة ومعقول: كتاب الله الحق المبين، ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار المتقين].
فتأمل هذا المنهج لأهل السنة في الاستدلال، بينما منهج المبتدعة غير منهج أهل السنة، فهو يريد أن يقول: إن من أعظم الأدلة والبراهين التي يجب على المسلم أن يتعلم عقيدته من خلالها هي: كتاب الله، سنة الرسول، أقوال الصحابة.
لكن لا يوجد أحد أو جماعة أو فرقة أو طائفة من أهل البدع من تعتمد على أقوال الصحابة، وإنما هم يقولون: يكفي كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومع هذا يقولون: الأصل عندنا في الاستدلال: العقل، ثم القرآن من بعده والسنة، وما وافق العقل من القرآن والسنة أخذناه، وما لم يوافق العقل من القرآن والسنة أولناه وأخرجناه عن ظاهره حتى يوافق العقل، فجعلوا العقل هو الميزان الأعظم الذي تقاس عليه الأمور، والذي يجب أن تنضبط عليه نصوص الكتاب والسنة.
ونحن نقول: إذا خالف العقل النقل أخذنا بالنقل، والعيب والقصور في العقل، بينما أهل البدع يقولون -خاصة المعتزلة-: الأصل في الاستدلال العقل.
فإذا خالفه النقل فيكون العيب في النقل! لكنهم لا يستطيعون أن يقولوا هذه الكلمة؛ لأنهم يعرفون أنها مكفرة، لكنهم يقولون: إذا تعارض النقل مع العقل فلابد من تأويل النقل حتى يوافق العقل.
إذاً: الميزان الأعظم عندهم: العقل.
والميزان الأعظم عند أهل السنة: هو النقل.
وهذه أول فائدة.
الفائدة الثانية: أنهم لا يحتجون بأقوال الصحابة قط، بل قاموا على الصحابة وكفروهم وبدعوهم، وشهروا السيوف في وجوههم، وقد حصل هذا من الشيعة والخوارج وغيرهم، بينما موقف أهل السنة والجماعة معلوم من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وما جرى بينهم من فتنة.
فهذه لا ينبغي أبداً ذكرها على سبيل التنقص بأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وهو الذي قال: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفس محمد بيده، لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه).
فهذا النص بظاهره وبغير شرح يلجم المرء إلجاماً، فلا يتكلم في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلمة سوء واحدة، والذي يتكلم في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلمة واحدة على سبيل التنقص، إنما يدل على مرض ونفاق ودخن في قلبه أبداه الله على فلتات لسانه.
وهنا نقول: إن منهج الاستدلال عند أهل السنة: كتاب الله المبين، ثم قول الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم قول الصحابة الأخيار المتقين.
قال: [ثم ما أجمع عليه السلف الصالحون].
سواء كان إجماع الصحابة، أو إجماع من أتى بعدهم.
[ثم التمسك بمجموعها].
أي: التمسك بهذه الأدلة التي هي الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، وما أجمع عليه السلف الصالحون.
[والمقام عليها إلى يوم الدين].
أي: لا يبرح المرء ولا ينفك أن يحتج وأن يلجأ إلى هذه الأدلة.
قال: [ثم الاجتناب عن البدع].
أي: أن الذي معه الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس الصحيح لا يحتاج إلى أن يبتدع في دين الله عز وجل، فهذه الأدلة كلها قد شملت أمور المسلم الحياتية والمعادية، فلماذا يبتدع في دين الله عز وجل؟ ولذلك البدعة مناقضة ومناهضة ومجهضة للسنة، فما أحدثت بدعة إلا وأميتت وطمست سنة، ولذلك أحسن الإمام هنا عندما قال: أدلة احتجاج أهل السنة هي كذا وكذا وكذا.
ثم قال: [والاستماع إليها مما أحدثها المضلون] أي: اجتناب الاستماع إلى ما أحدثه المبتدعة؛ لأن كل بدعة ضلالة، وكل مبتدع ضال.
أي: منحرف عن الطريق السوي.
قال: [فهذه الوصايا الموروثة المتبوعة، والآثار المحفوظة المنقولة، وطرائق الحق المسلوكة، والدلائل اللائحة المشهورة، والحجج الباهرة المنصورة التي عملت عليها الصحابة والتابعون].
لم نسمع قط أن هناك صحابياً عقلانياً، وهم الذين خوطبوا بهذا الكتاب العظيم! فلم يقل منهم أحد: عقلي مقدم على كلام الله عز وجل.
قال: [ومن بعدهم من خاصة الناس وعامتهم من المسلمين، واعتقدوها حجة فيما بينهم وبين الله رب العالمين، ثم من اقتدى بهم من أئمة المهتدين، واقتفى آثارهم من المتبعين].
أي: أن هناك أئمة كثيرين جداً خاصة في أبواب الاعتقاد، فنحن عندما نحتج لمنهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال نقول كلام مالك خاصة في الأسماء والصفات، فقد سئل مالك عن الاستواء فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنده بدعة.
فهذا القول كلنا نحفظه أنه من قول مالك، في حين أنه ليس من قول مالك أصلاً، وإنما هو قول شيخه ربيعة الرأي.
أي: أن ربيعة الرأي هو الذي علم مالكاً هذا الأصل وهذا المنهج وهذا الإجمال في الاعتقاد.
وكذلك لم يكن هذا من كلام ربيعة، وإنما هو كلام أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي عليه الصلاة والسلام.
إذاً: معناه: أن مالكاً قد أخذ هذا العلم عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
قال: [ثم من اقتدى بهم من