ما يفعله من عصى الله ثم أراد التوبة وطلب العلم

Q ماذا يفعل من كان في أول سن البلوغ والمراهقة ومارس مع الصبية والفتيات الأقارب الفحشاء في نهار رمضان، علماً بأنهم كانوا ممسكين، ولكنهم مارسوا الفحشاء، حيث لم يكونوا يعلمون بمدى حرمة ذلك، ولا عقوبته، وإن كانوا يعلمون بفطرتهم أن ذلك حرام، فهل يفسد صيامهم، وعليهم إعادة؟ مع العلم أن ذلك تكرر خلال رمضانين، وقام أحدهم -عندما نوى التوبة- بحصر الأيام التي فعل فيها ذلك وصام أغلبها، ولضعف بدنه وفتور صحته فدى عن الباقي، وأقلع عن تلك الأفعال ومصاحبة هؤلاء الأقارب، وكان ذلك منذ أربع سنين تقريباً، ولكن لا زال ألم المعصية يقلقه ويريد القول الفصل في ذلك، فهل يكفيه ما فعل، وإن لم يكن فأين السبيل يرحمكم الله، وماذا يفعل من يريد التخلص من مظلمة عرض مع العلم أن صاحبها ذو قرابة، وإن صارحه بذلك قد تنقطع صلة الرحم ولا يعفو إلا قليلاً، وأن الحكمة في سؤالهم العفو وابتغاء وجه الله ويحدث ما يحدث أم ماذا؟ والذي يريد طلب العلم مع العلم بفقره الواضح، وأن أهله وأبويه يضطرونه لجلب المال، هل عليه أن يستجيب لهم وينعزل في المنزل بعد ذلك للقراءة حتى يتيسر الحال، أم يضرب بهم عرض الحائط، ويتفرغ لطلب العلم، خاصة وأن جهله قد أورده الموارد؟ أسألك بالله أن تكون بي رفيقاً في الجواب، فإني لا أهنأ بعيش ولا بنوم وأشعر أنني من كثرة ذنوبي أن توبتي لن تقبل، وأنني سأصير بعد حياتي هذه والعياذ بالله حطباً لجهنم، فأرجو مراعاة إقبالي على ربي وحالتي النفسية، وبم تنصحني لأجتنب حياة الفساد وأحيا حياة كريمة؟

صلى الله عليه وسلم على أية حال هذه الرسالة تشير إلى توبة صاحبها، فهنيئاً له أنه يتقلب بالليل والنهار ألماً، فهذا يدل على صدق التوبة والأوبة والرجوع إلى الله عز وجل، ولكن سؤال السائل ينقسم إلى عدة أمور: الأمر الأول: أنه وقع في الفحشاء، والواضح من قراءة الرسالة بتمامها أنه وقع في الزنا، فإن تكرر منه هذا فإجماع أهل العلم أن كل زنا يحتاج إلى كفارة، ولا تجزئ كل كفارة واحدة لمجموعة من الوقائع أو الفحشاء، فعلى الأخ أن يتقرب إلى الله عز وجل في صدق توبته بأن يصوم شهرين متتابعين ومعها يوم إذا كان ذلك في رمضان لكل وقعة فاحشة وقع فيها بغير اتصال، وإذا كنت تتلذذ بهذه المعصية فاعلم أنك لو داومت على الصيام فإنك تستمرئ صوم الدهر كله.

وكثير من السلف كانوا يقولون: لقد عانينا قيام الليل عاماً حتى صار سجية، وقد سأل غير واحد من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يقدرون على سرد الصوم، فأذن لبعضهم ولم يأذن للبعض الآخر، فكل هذه النصوص هي بشرى لك بأنك إذا ألفت أن تصوم هذه الكفارات فستكون في نهاية الأمر سجية لك، وما الذي يمنعك أن تصوم عاماً أو عامين أو ثلاثة، كفارات لهذه الفواحش التي وقعت فيها؟ الأمر الثاني: أن صحبة هذا الرجل كلها صحبة فساد كما هو واضح من سؤاله، وأنتم تعلمون أن من عوامل نجاح التوبة التخلص من أصحاب السوء، ولا أدل على ذلك من هذا الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً ثم ختمها بالراهب فأتم المائة؛ فأمر به أن يرحل عن بلده؛ لأن بها قوماً سوءاً، إلى أرض أناس صالحين يعينونه على طاعة الله عز وجل، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل).

ويقول الحسن البصري: صديقك من صادقك -أي: من نصحك- لا من صدقك، صديقك من صادقك، أي: من نصحك وأخذ على يديك وأرجعك إلى الصواب، لا من صدقك في كل ما تقول من خير وشر، فإن هذا ليس بصاحب.

وأنصح هذا الأخ السائل أن يحرص على طلب العلم فإنه النجاة كل النجاة، وما أوقعه فيما وقع فيه إلا الجهل كما يقول، وهو صادق إن شاء الله في زعمه أنه لم يكن يعرف أن هذا حرام أو لا يعرف عقوبة هذا الفعل، غير أنه يعلم بفطرته أن هذا الفعل قبيح، بل إن لفظة قبيح تعتبر قولاً رقيقاً بالنسبة لهذه المسائل، فهذا وقوع في الفاحشة.

فعلى أية حال لو فرضنا صدقه -والأصل فيه الصدق- فيجب عليه أن يتخلص من صحبته تماماً، وأن يقبل على الله تبارك وتعالى، ولا يجد أحسن من طلب العلم؛ ففيه النجاة كل النجاة، ويتخلص من الصحبة السيئة، ولا ينام وحده حتى لا يفكر في مقدمات هذه المعصية مرة أخرى، وألا يغلبه الشيطان في وحدته، ولا أدل على ذلك من قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يسافر الرجل وحده ولا يبيتن وحده)؛ وذلك لتسلط الشيطان وغلبته على هذا الوحيد الشريف، ويقول عليه الصلاة والسلام: (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)، فربما حدثتك نفسك بالوقوع في المعصية، ولكنك لعلمك أن فلاناً أو فلاناً ينظر إليك تكف عن هذه المعصية؛ ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (استحيوا من الله على قدر حيائكم من رجلين صالحين من قومكم)، فتصور لو أنك أردت أن تنظر إلى امرأة أجنبية جميلة تمر في الشارع، ولكن معك رجل من صالحي قومك، هل تجرؤ أن تنظر إليها؟! فاستحي من الله عز وجل استحياءك من هذا الرجل الصالح.

أما ما ذكره من صلة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015