[عن عبد الله بن مسعود قال: (كنا نعد الآيات بركة -أي: المعجزات- وأنتم تعدونها تخويفاً، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فعز الماء -أي: قل- فقال: اطلبوا فضلة من ماء)] النبي عليه الصلاة والسلام لما قل الماء معهم وهم في سفر أشرفوا على الهلاك، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام قال: اطلبوا لي الماء ولو كان فضلاً يسيراً، [قال: (فأتي بها في إناء قليل، فأدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في الإناء ثم قال: حي على الطهور المبارك والبركة من الله عز وجل -أي: تعالوا إلى الماء الطاهر المبارك من عند الله عز وجل- قال ابن مسعود: فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى ارتوينا، وقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل)]، فهاتان معجزتان: نبع الماء، وتسبيح الطعام.
[وعن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بإناء فيه ماء فأغمر أصابعه -يعني: أدخلها في الماء- ولا يكاد يغمرها، فجعلوا يتوضئون، وجعل الماء ينبع من بين أصابعه، قال: قلت لـ أنس: كم كنتم؟ قال: زهاء ثلاثمائة)] تصور أن فضلة من ماء يضع النبي عليه الصلاة والسلام أصابعه فيها ولا يكاد يغمرها، لأن أصابعه هذه تصل إلى قعر الإناء، وهذا يدل على قلة الماء وندرته مع الصحابة في ذلك الوقت، ومع هذا توضئوا منه وشربوا حتى ارتووا وهم زهاء ثلاثمائة! هذا يدل فعلاً على أن البركة من عند الله عز وجل، وأن هذا لا يكون ولا يجرى إلا على يد نبي صلى الله عليه وسلم.
[وعن جابر قال: (أصابنا عطش فجهشنا إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام)] يعني: فزعنا إلى رسول الله، نحن سنموت في الصحراء، ونحن في سفر ولا ملاذ لنا ولا ملجأ إلا إليك بعد الله عز وجل، فاطلب من ربك أن يغيثنا، وأن يروي ظمأنا، قال: [(أصابنا عطش فجهشنا إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فدعا بتور فيه ماء)] والتور: إناء صغير يسع مداً وثلثاً بالرطل العراقي أو كما قال أهل العلم، قال: [(فوضع كفه فيه حتى توضأنا وشربنا)].
انظر إلى الصحابة رضي الله عنهم، لم يقولوا: حتى شربنا وتوضأنا، وإنما قالوا: حتى توضأنا أولاً، وهذا يدل على حرصهم البالغ على العبادة، ثم على أنفسهم بعد ذلك، [(فقال: خذوا باسم الله حتى توضأنا وكفانا)، قال الراوي عن جابر: قلت لـ جابر: (كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، ولكنا كنا ألفاً وخمسمائة)، رواه البخاري]، ألف وخمسمائة شخص يتوضئون من تور لا يأخذ إلا مداً أو مدين! [وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال أبو طلحة لـ أم سليم -وهي زوجة أبي طلحة وأم أنس بن مالك - (لقد سمعت صوت رسول الله عليه الصلاة والسلام ضعيفاً أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟)] وهذا يدل على كمال شفقة أصحابه عليه الصلاة والسلام، وحرصهم ومتابعتهم لأحوله أولاً بأول رضي الله عنهم أجمعين وصلى الله على نبينا محمد.
[قالت: نعم، فأخرجت أقراصاً من شعير، ثم أخرجت خماراً لها فلفت الخبز ببعضه، ثم دسته تحت ثوبي وردتني ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام] قرص الشعير هذا لو وضع أمامك لن تأكله حتى لو مت من الجوع، ثم وضعته في طرف خمارها، ووضعت بقية الخمار على أنس حتى لا يراه أحد وهو ذاهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام؛ من أجل أن يعطيه أقراص الشعير، وكأنه سر كبير، لا يوجد أحد ضعيف من الصحابة، فالخبر هذا كله عن النبي عليه الصلاة والسلام فهو الضعيف، ومصدر هذا الضعف هو الجوع، قال: [(فذهبت به فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس، وقمت عليهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلك أبو طلحة؟ قال: قلت: نعم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: بطعام؟ قال: قلت: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن معه: قوموا، قال: فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئنا أبا طلحة فأخبرته -لم يأخذ منه الطعام وإنما أمر أنساً أن يرجع إلى البيت في صحبة النبي عليه الصلاة والسلام وصحبة من معه- قال: فقال أبو طلحة: يا أم سليم! قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم، قالت أم سليم: الله ورسوله أعلم)] يعني: إذا كان النبي أتى معهم فهو من سيتولى الأمر بنفسه، قال: [(فانطلق أبو طلحة حتى تلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل رسول الله وأبو طلحة معه حتى دخلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلمي يا أم سليم ما عندك -يعني: هاتي الذي عندك- فأتت بذلك ا