سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن الرحمة التي يتراحم بها الخلق فيما بينهم وإن كانت شيئاً معنوياً إلا أنها مخلوقة، والموت كذلك شيء معنوي وهو مخلوق، والحياة شيء معنوي وهي مخلوقة، فالله تبارك وتعالى خلق الأعراض والأجسام وخلق المعنويات وخلق كل شيء.
قال: [قال أبو هريرة رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين وأنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه)]، هذا الحديث هو من أعظم أحاديث الرجاء، والتي تدل على سعة رحمة رب العالمين تبارك وتعالى، وأنه اختزن تسعاً وتسعين رحمة يرحم بها الخلائق في عرصات القيامة، فإذا كانت هذه الرحمات التي يراها المرء على هذه البسيطة من جراء رحمة واحدة من رحمة الله عز وجل فما بالك بتسع وتسعين رحمة؟! وقد ذكرنا من قبل في الموازنة بين الخوف والرجاء: أن الخوف والرجاء هما بمثابة جناحي الطائر، ولا يمكن لأحد أن ينجو قط بين يدي الله عز وجل يوم القيامة إلا إذا حقق الخوف والرجاء، ولا بأس في حال الصحة أن يغلب شيئاً يسيراً من الخوف ليدفعه إلى العمل الصالح، وإذا كان في مرض أو كبر سن أو غير ذلك فليغلب جانب الرجاء حتى لا يقنط من رحمة ربه، وأن يحسن الظن بربه قبل أن يغادر هذه الحياة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء).
وفي رواية: (فلا يظن بي إلا خيراً).
وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله).
وهذا لا يكون إلا بتغليب جانب الرجاء على جانب الخوف، فإذا قرأت آية في الخوف فاقرأ مقابلاً لها في الرجاء، والعكس بالعكس.
وكذلك أحاديث الرجاء لا بد أن تضمها إلى أحاديث الخوف والعكس بالعكس، لأن الأمة -الآن- فرطت اتكالاً على رحمة الله عز وجل، ولو أنها علمت عذاب الله كما علمه السلف رضي الله عنهم لقل كلامهم وكثر عملهم، ولكن الأمة فرطت فكثر كلامها وقل عملها، فهذا نهج مخالف لما كان عليه من سلفنا رضي الله تبارك وتعالى عنهم.
وبهذا الدرس ينتهي هذا المجلد وهو المجلد السادس من كتاب أصول الاعتقاد للإمام اللالكائي، وموعدنا إن شاء الله تعالى مع المجلد السابع.