قال: [وعن أبي سعيد الخدري -وهو سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنه- قال: (قلنا: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟)]؛ لأنهم يوقنون أنهم لا يرونه في حياتهم الدنيا لا يقظة ولا مناماً، ولم ير الله تبارك وتعالى مناماً إلا نبينا عليه الصلاة والسلام، وأنتم تعلمون الحديث الطويل حديث أنس المعروف باختصام الملأ الأعلى، قال: (بينما أنا نائم إذ رأيت ربي في أحسن صورة) والحديث عند أحمد بسند طويل وقد شرحناه.
قال: [(قلنا: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: اعلموا أنكم لن تروا ربكم إلا أن تموتوا فتبعثوا)]، وهذا للتحذير من اتباع الدجال الذي إذا ظهر زعم أنه الله، أو أنه الرب.
قال: [(اعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا فتبعثوا، فلما سألوه عليه الصلاة والسلام: هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحواً ليس معها سحاب -أي: هل يحصل لكم ضير أو ضيم أو شك؟ - وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قال: قلنا: لا يا رسول الله! قال: ما تضارون في رؤيته يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما)]، أي: في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سحاب.
النبي عليه الصلاة والسلام لم يمثل الله تعالى بمخلوقاته الشمس والقمر، وإنما مثل الرؤية بالرؤية، فهذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي، فكما أنكم ترون الشمس في رابعة النهار صحواً ليس دونها سحاب لا تضامون ولا تشكون أن هذه هي الشمس؛ فإنكم سترون الله عز وجل يوم القيامة لا تشكون أن هذا هو الله عز وجل، فهذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي.
قال: [(إذا كان يوم القيامة نادى مناد: لتلحق كل أمة بما كانت تعبد -أي: لتذهب كل أمة إلى معبودها فتكون تبعاً له- فلا يبقى أحد كان يعبد صنماً ولا وثناً ولا صورة إلا ذهبوا -أي: ذهبوا إلى متبوعيهم- فأخذوهم بأيديهم ثم يتساقطون في النار، ويبقى من كان يعبد الله وحده من بر وفاجر)]، أي: ما دام موحداً، وبعضهم قال: الفاجر هو المنافق، فلما كان في مجموع المؤمنين في الدنيا فيكون في مجموعهم في الآخرة، لكنهم إذا كانوا في وسط الصراط ضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، ويذهب عنهم نور المؤمنين فيكونون في ظلمة ثم يسقطون في جهنم.
قال: [(ويبقى من كان يعبد الله وحده من بر وفاجر وغبرات أهل الكتاب)]، أي: القلة من أهل الكتاب الذين آمنوا بموسى والذين آمنوا بعيسى قبل بعثة محمد عليه الصلاة والسلام؛ لأن من آمن بموسى ولم يؤمن بمحمد عليه الصلاة والسلام فهو كافر، وكذلك من آمن بعيسى.
قال: [(ثم تعرض جهنم -أي: تنصب- كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً، ثم يضرب الجسر -أي: الصراط- قلنا: يا رسول الله! وما الجسر؟ قال: دحض مزلة، له كلاليب وخطاطيف وحسك كشوك السعدان، فيمر المؤمنون كلمح البرق وكالطرف وكالريح وكالطير وكأجود الخيل والراكب -أي: المسرع- فناج مسلم -أي: هؤلاء المؤمنون في عبورهم على الجسر منهم من ينجو ويسلم من العذاب- ومخدوش مرسل -أي: مخدوش منهوش في بدنه بكلاليب السعدان، ولكنه في نهاية أمره يعبر هذا الجسر- ومنهم المكدوس أو المكردس في نار جهنم، فوالذي نفسي بيده! ما أحد بأشد مناشدة في الحق من المؤمنين إخوانهم)]، يعني: حينئذ تكون شفاعة المؤمنين في إخوانهم الذين سقطوا في النار من الموحدين.
والشاهد من هذا الحديث: (ثم يضرب الجسر) والجسر هو الصراط، وهذا فيه إثبات أن الصراط أو الجسر شيء حقيقي لا معنوي، ولا أنه من آيات الله التي يخوف بها عباده.