وفي حديث عبد الله بن عمر وغيره: [(ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى لو كان فيهم من يأتي أمه علانية لكان في أمتي من يفعل ذلك)].
ولاشك أن بني إسرائيل كان فيهم ذلك، كان الرجل يأتي أمه ويأتي ابنته، وإن هذه الأمة قد ظهر فيها ذلك حقيقة، ففي هذه البلاد وغيرها من الناس من يأتي أمه ويأتي ابنته ويأتي جميع المحارم من باب أولى.
إن الذي يجرؤ على أن يأتي أمه يجرؤ على أن يأتي عمته وخالته وبقية المحارم، فإن هذه الأمة قد تبعت بني إسرائيل حذو القذة بالقذة وحذو النعل بالنعل؛ ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول: [(لتتبعن سنن من كان قبلكم -أي: هديهم- حذو القذة بالقذة، حتى إذا دخلوا جحر ضب دخلتموه، قالوا: اليهود والنصارى يا رسول الله؟! قال: فمن؟)] يعني: إن لم أكن أعني وأقصد هؤلاء فمن أعني؟ يعني: أنتم تتبعون اليهود والنصارى في كل شيء في أخلاقهم وسلوكياتهم، بل وفي بعض عقائدهم.
ولا شك أن هذا قد حدث في الأمة ووقع فيها أيضاً، أنا أقول: إن الأمة الآن على غير المنهاج الصحيح، وربما أنا أبالغ -لأنه لا نبي بعد النبي عليه الصلاة والسلام- إن قلت: إن الأمة تحتاج إلى أنبياء يبعثون من جديد؛ حتى ترد إلى دينها الأصلي وإلى ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه، إن الأمة الآن تحتاج في كل حي إلى عشرات ومئات من الدعاة في الوقت الذي تكمم فيه أفواه الدعاة، وكأن الأمة أريد بها أن تنسلخ من دينها انسلاخاً كلياً؛ فتكون كاليهود والنصارى، في الوقت الذي نرى فيه القساوسة والرهبان يمرحون ويلعبون ويسرحون ويقولون ما يشاءون، أليس هذا الوضع جدير بأن يقف كل منا وقفة مع نفسه ويتقي الله تبارك وتعالى ربه، ويرجع إلى دينه، ويرد نفسه إليه رداً جميلاً، ويدعو إلى الله تبارك وتعالى بالليل والنهار، وإذا كان صاحب درس أو صاحب خطبة لا يكتفي أبداً بهذا، فإن الكلام كثير، والوعظ منتشر في هذه الأيام، ولكنه لا يثمر ثمرته المستمرة، فإنه بعد أن يخرج الموعوظ من المسجد كأنه لم يسمع وعظاً ولم ينتفع به قط، وكأنه أراد أن يقول للواعظ: هذه بضاعتكم ردت إليكم، لا حاجة لنا فيها لا نحن منكم ولا أنتم منا.
إن الأمة بينها وبين دعاتها هوة عظيمة؛ لأن الأمة قد رضيت بغير أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام فكيف ترجع؟!