قال حنبل: [سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: إذا صير العبد إلى لحده، وانصرف عنه أهله أعيد إليه روحه في جسده].
ولذلك فإن عقيدة أهل السنة سهلة، وأنا سأقول لك: هات أي كتاب من كتب المعتزلة أو الشيعة أو الخوارج أو أي فرقة من الفرق الضالة في المعتقد واقرأه أو اقرأ باباً منه ثم اقرأ ما يواجه هذا الباب في كتب أهل السنة والجماعة، فلن تحتاج أبداً إلى شخص يشرح لك، فعندما نقرأ في عقيدة أهل السنة فيما يتعلق بالقبر ستجد الكلام سلساً، وعند أن نأتي ونقرأ العقيدة الطحاوية مثلاً أو في كتاب السفاريني أو في كتاب اللالكائي أو ابن أبي عاصم أو أحمد بن حنبل أو غيرهم من أهل العلم الذين صنفوا في المعتقد والسنة تجد أن الكلام سهلاً وحلواً ومقبولاً وجميلاً، ولا تحتاج أبداً أن أبا الأشبال يقول لك: هذه معناها كذا، وهذه معناها كذا، أو أن المحشي سيضع لك تحت هذه الكلمة الصعبة أن معناها كذا، فبمفردك ستفهم هذا الموضوع وتقول: سهل جداً، لكن عند أن تأتي إلى كتب المبتدعة؛ تجدها فلسفة وكلاماً معقداً ومنطقيات ومقدمات ومؤخرات ونتائج، شيء صعب إلى أقصى حد، وربما قرأت الموضوع وخرجت منه وأنت لم تفهم ما هو الموضوع الذي يتكلم فيه؛ لأنه طلاسم، والذي يترك كلام أهل السنة لابد أنه يقع في الحيرة والتيه والضلال، ويكون كلامه كله عبارة عن فلسفات كلامية ومقدمات ومؤخرات منطقية لا يمكن أبداً أن يستقيم في الأمور الغيبية مع كلام أهل السنة والجماعة أبداً، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام لما قال: (وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) لم يقل الصحابة: من هؤلاء الفرق يا رسول الله؟ وإنما قالوا له: من هذه الفرقة الواحدة؟ قال: (هم من كانوا على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي).
فهذه إشارة إلى وجوب تعلم عقيدة أهل السنة والجماعة، ثم اعلم أن ما عدا هذه العقيدة عقائد فاسدة وباطلة، وأصحابها من أهل النار، أما أن يأتي شخص ويتفلسف ويقول لك: عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه ومن لم يعرف الخير من الشر يقع فيه فيقول: أنا قبل أن أدرس عقيدة أهل السنة لابد أن أدرس عقائد الفرق الثلاثة والسبعين أو الاثنتين والسبعين لا أعرف الفرق الباطلة؛ من أجل أن تحلو لي عقيدة أهل السنة والجماعة! إذا كنت تظل تدرس في عقيدة أهل السنة والجماعة سنوات وسنوات فكيف يتسنى لك أن تدرس عقيدة هذه الفرق كلها؟ أتضمن الحياة؟ وبعد ذلك أأنت مكلف بمعرفة هذه العقائد؟ هل سيقول الله عز وجل لك يوم القيامة: ماذا قالت المعتزلة في رؤية الله عز وجل؟ أم أنه سيسألك عن معتقدك أنت، فيما يتعلق بجواز أو استحالة رؤية المولى عز وجل، سيسألك عن عقيدتك، عقيدة أهل السنة، بل هو سيسأل سبحانه وتعالى هؤلاء الضلال الحيارى عن سر وسبب انحرافهم عن عقيدة أهل السنة والجماعة، وعملهم يأتي يوم القيامة كله هباء منثوراً؛ لأنه لا يستند إلى كتاب ولا إلى سنة، إنما استند إلى فلسفات غربية، ولذلك فإنه كلما ازدادت رقعة الإسلام في الأرض ازداد الفساد في الأمة.
فـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند أن كان تفتح عليه البلدان كان يظل يبكي؛ لأنه عمر رضي الله عنه الرجل الثالث في الأمة بعد النبي عليه الصلاة والسلام وبعد أبي بكر فليس هذا من فراغ أيها الإخوة! ولذلك قيل: إن أبا بكر لم يسبق الأمة بكثير صلاة ولا صيام، وإنما بإيمان استقر في قلبه، فنور الوحي استقر في قلبه فصارت الأمور بالنسبة له كما لو كان يشاهدها عياناً، وهذا نور الإيمان جزاءً وفاقاً للعمل الصالح، وهو فضل الله عز وجل أولاً وآخراً، بعث عمر الجيش، فلما سمع أن مصر فتحت وأن الأمر استقر لـ عمرو بن العاص بكى عمر بن الخطاب لأنه يذكر قوله عليه الصلاة والسلام: (ما أخشى عليكم الفقر، ولكني أخشى أن تفتح عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم)، ونحن ننظر إلى الوجه الآخر للفتح، الفتح جيد، وشيء جميل، ودخول الناس في دين الله عز وجل أجمل ما يمكن، لكن الوجه الآخر لهذا الفتح هو الأمر العصيب جداً الذي كان يعصر قلب عمر، وأن كل زيادة في الأرض زيادة في فساد أبناء الأرض.
ولا شك أن عالم الترجمة أمر يسعد كل مسلم، فلما أمرت الدولة العباسية بترجمة كتب الفلاسفة والمتكلمين، كان هذا مبدأ وأساس الشر في الأمة، بأن تُرجمت كتب فلاسفة اليونان وأثينا للغة العربية، فدخل الشر منها.
وأنت عندما تجلس مع أستاذ أو طالب في كلية الآداب أو التربية قسم الفلسفة لا يمكن أن تقول: هذا الإنسان مسلم، أو هذا قلبه أو عقله يفكر في الإسلام، لأنه لا يتكلم أبداً بقال الله ولا قال الرسول، فكلامه كله ظلمة إلا من رحم الله عز وجل؛ لأن بضاعته هي قال أرسطو طاليس قال