قال: [عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن لكل نبي دعوة مستجابة، وإني أحب أن أدخر دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة) ولفظ الحديث لـ عبد الرزاق أخرجه مسلم].
قال ابن حزم: اختلف الناس في الشفاعة، فأنكرها قوم وهم المعتزلة والخوارج.
إذاً: الذي ينكر الشفاعة يركب مركب الخوارج ومركب المعتزلة، أما أهل السنة فيثبتون الشفاعة الواردة بقيودها، وشروطها في الكتاب والسنة، وذهب معهم الأشعرية والكرامية وبعض الرافضة.
واحتج المانعون بقول الله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:48].
ولعلكم تذكرون أن هذه الآيات كانت حجة ذلك الغبي الذي أنكر الشفاعة منذ أشهر قلائل، احتج بقول الله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:48]، وبقوله عز وجل: {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار:19].
قال الآجري: قال محمد بن الحسين رحمه الله اعلموا رحمكم الله أن المنكر للشفاعة يزعم أن من دخل النار فليس بخارج منها.
وهذا مذهب المعتزلة، يكذبون بها -أي: بالشفاعة- وبأشياء سنذكرها إن شاء الله مما لها أصل في كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وسنن الصحابة رضي الله عنهم، وقول فقهاء المسلمين.
ويعتقد أهل السنة والجماعة بأن عصاة الموحدين الذين استحقوا دخول النار -بسبب معاصيهم وجزاء ذنوبهم التي ارتكبوها- أنهم يخرجون منها ولا يخلدون فيها، وأن نبينا صلى الله عليه وسلم يشفع فيهم يوم القيامة، كما قال الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} [طه:109]، وقال تعالى: {وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ:23]].
وقد تواترت الأحاديث بوقوع الشفاعة يوم القيامة، وسيذكر المؤلف معنا شيئاً منها، ومنها هذا الحديث [عن أبي هريرة قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لكل نبي دعوة مستجابة)].
أي: لا محالة؛ لأن هذا وعد من الله عز وجل، ووعده سبحانه لا يتخلف بخلاف الوعيد [(فتعجل كل نبي دعوته)].
يعني: كل نبي تعجل دعوته العظمى.
أنتم تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو دائماً في ليله ونهاره، ودعوته هذه ليست الدعوات المقصودة في هذه الروايات، فلكل نبي دعوة عظمى عامة تنفع الأمة بأسرها، أما نبينا عليه الصلاة والسلام فإنه اختبأ دعوته شفاعة لأمته يوم القيامة: [(وإني اختبأت دعوتي لأمتي يوم القيامة)].
[عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: لقد ظننت ألا يسألني عن ذلك أول منك؛ لما رأيت من حرصك على الحديث إن أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه)].
أي: من كان موحداً لله عز وجل، وذكر شرطاً من شروط (لا إله إلا الله) وهو الإخلاص.
قال: (مخلصاً من قلبه)؛ لأن لا إله إلا الله مجردة بغير شروطها ومقتضياتها لا تنفع صاحبها، فقول الإنسان: (لا إله إلا الله) وهو يبغض هذه الكلمة ولا يعلم حقيقتها وغير ذلك من شروطها لا تنفعه، فقال: (إن أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه).