الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أما بعد: في الدرس الماضي عرفنا الإرجاء، ومتى ظهر الإرجاء في الأمة.
وهذا باب جديد في سياق ما روي مرفوعاً وموقوفاً في تضليل المرجئة وهجرانهم، وترك السلام عليهم والصلاة خلفهم والاجتماع معهم.
والمرجئة من المبتدعة، والمبتدع قسمان: فإما أن يكون داعية ضلالة، كأن يكون مؤصلاً لها أو كاتباً داعياً إليها، وإما أن يكون من رعاع أهل البدع يتبع كل ناعق، ولا يدري حقيقة ما هو عليه، وربما يقرأ القارئ كلمات أو نصوصاً في تكفير أهل البدع، ونصوصاً أخرى في عدم تكفيرهم، وقد قال أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية: إن نصوص التكفير إنما تقع على رءوس أهل البدع والدعاة إلى البدعة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما روي في تضليل المرجئة وهجرانهم]، وهجر أهل البدع دائماً هو وصية السلف للخلف.
قال: [وترك السلام عليهم والصلاة خلفهم]، أي: لا نصلي خلف مبتدع داع إلى بدعته، خاصة إذا كانت بدعته مكفرة.
قال: [والاجتماع معهم] ولا نجتمع معهم مخافة أن تتغير وتتبدل قلوبنا.
قال: [عن ابن عمر قال النبي عليه الصلاة والسلام: (صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: القدرية، والمرجئة)]، وكل الأحاديث المرفوعة التي رويت في ذم الإرجاء لم يصح منها شيء، والأمر لا يحتاج إلى التعلق بشيء ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك بعد أن أجمعت الأمة على أن الإرجاء ضلالة محدثة في الدين، وأن المرجئة فرقة من فرق الضلالة في الإسلام.
قال: [وفي حديث حذيفة قال النبي عليه الصلاة والسلام: (صنفان من أمتي كلاهما في النار)] فهنا حكم عليهما بدخول النار، ولا يعني ذلك أنهم كفار، كما لا يعني أنهم مخلدون فيها أبداً.
وقد تكلمنا عن هذا أثناء كلامنا على حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (كلها في النار إلا واحدة هي ما أنا عليه وأصحابي) في معرض كلامه عن فرق الضلالة.