ذكر المؤلف أنه يشترط لها ثلاثة شروط: الأول: معرفة المنفعة.
الثاني: إباحة المنفعة.
الثالث: معرفة الأجرة.
وهذه شروط لابد منها في صحة الإجارة، فأولاً: معرفة المنفعة: فمعروف أن هناك أشياء منفعتها ظاهرة، فالدار مثلاً: يستأجرها ليسكن فيها مدة محددة، وقد يستأجرها ليجعلها مخزناً لتجارته أو نحو ذلك، فإذا استأجرها لهذا الغرض، فإنه يستوفي هذه المنفعة، فإن استأجرها للسكنى فلا يجوز له أن يجعلها مستودعاً للدواب -للبقر، وللغنم، وللحُمُر وللخيل-؛ وذلك لأنها تفسدها بحوافرها مثلاً، وتلوثها بالروائح -الروث ونحوه-، ولا يستأجرها للسكنى ويجعلها مثلاً: مصنعاً من المصانع التي يكثر فيها الدَّقُّ بالسندان أو بالحجارة الثقيلة التي تزلزل الحيطان وتتصدع منها وما أشبه ذلك.
وإذا استأجرها للسكنى فيسكن فيها من تتحمله، فإذا كانت تتحمل مثلاً: عشرة، فلا يسكن فيها عشرين أو ثلاثين؛ لأنهم بدخولهم وخروجهم وصعودهم ونزولهم قد يؤثرون على بنائها، وقد يؤثرون على أرضيتها وفرشها وحيطانها وما أشبه ذلك، فلا يسكنها إلا ما تتحمل.
وكذلك أيضاً: إذا استأجر الدار ونحوها، فلا يسكنها من يتضرر الجيران منهم.
فالحاصل: أن سكنى الدار منفعةٌ مباحة، وسكنى المخزن منفعةٌ مباحة، يخزن فيه تجارته، وكذلك: سكنى الدكاكين لإيداع البضائع فيها، وفتحها للاتجار فيها وما أشبه ذلك.
وكذلك استئجار الخيمة للاستظلال بها، والسجاد والفرش تستأجر من أجل أن تفرش فرشاً عادياً، ويجلس عليها جلوساً عادياً، ولا يجوز مثلاً: أن تفرش في الشمس التي تفسدها، ولا أن تتعرض للإحراق وما أشبه ذلك.
واستئجار السرر والكراسي هو للجلوس عليها والنوم عليها وما أشبه ذلك.
واستئجار القدر أو الإبريق للطبخ فيه، وإذا استأجره ليجعله زينةً فإنه ليس من المرافق، فيتجمل بها مثلاً.
واستئجار الثوب ليلبسه، وكذلك: ما يلبس كالنعل ونحوه.
ولابد أن تكون الأجرة معروفة، كسكنى دار وحمل إلى موضع معين، فإذا استأجر السيارة فلابد أن يحدد ما يحمله، أن يحمل عليها كذا وكذا -كيلو أو طن- وأن يحدد المسافة، فيقول: السير عليها من كذا إلى كذا، مثلاً: من الرياض إلى مكة أو ما أشبه ذلك.
وكذلك أيضاً: الخدمة: فإذا استأجر خادماً فلابد أن يحدد نوع الخدمة، فلا يكلفه أن يحمل الأشياء الثقيلة، وهو استأجره مثلاً: لإصلاح طعام، أو لإصلاح فرش، أو إصلاح القهوة، أو قيادة سيارة أو تنظيفها وتغسيلها، أو سقي حديقة، أو إخراج قمامة من المنزل، يعني: خدمةٌ يقدر عليها ذلك المستخدم، فلا يكلفه ما لا يطيق، فإذا كانت خدمته متواصلة كالذي يعمل في دكان أو الذي يعمل في بستان أو الذي يرعى دواب؛ فلا يكلفه أكثر مما يطيق، فيكلفه ما يستطيع، كأن يخدم عشر ساعات أو اثنتي عشرة ساعة إذا لم يكن العمل شاقاً، ويريحه بقية الوقت.
وكذلك: إذا استأجر معلماً، فالتعليم يكون بقدره، كأن يعلم الأولاد -مثلاً- كل يوم عشر ساعات أو نحوها، وقد تكون المنفعة على شيء معين، كأن يقول: كلما حفظوا جزءاً فلك أجرة كذا وكذا، وكلما حفظوا باباً من العلم، أو تعلموا كتاباً فأجرتك كذا وكذا.
والحاصل أنه لابد من معرفة المنفعة التي تستغل من تلك العين، وفي كل عين منفعة، فاستئجار الكتاب ليس للزينة، وإنما للقراءة فيه، وكذا المصاحف، واستئجار السكين ليس للزينة وإنما ليقطع بها مثلاً، واستئجار الساعة ليستخدمها لمعرفة الوقت عند حاجته إليها، واستئجار السيارة للحمل عليها، لا ليتجمل بها، واستئجار السراج ليوقده في الليل مثلاً إذا كان محتاجاً إليه، وكذلك: استئجار مكيف ليتبرد به، فكل شيء منفعته محددة ومعروفة.