قال المصنف رحمه الله: [وتصح المساقاة على شجر له ثمر يؤكل، وثمرة موجودة بجزء منها، وشجر يغرسه ويعمل عليه حتى يثمر بجزء من الثمرة أو الشجر أو منهما] .
المساقاة: مشتقة من السقي وذلك لأن أهم ما يعمله المساقي هو إخراج الماء من الآبار، وإصلاح الأنهار والجداول حتى تشرب الأشجار، فمثاله: إذا كان له نخل وعجز عن سقيه، فقال لآخر: اسقه والثمرة بيننا، اسقه وأبَّره ولَقِّحْهُ واصْرِمْهُ.
ولك نصف الثمرة، أنا الذي غرسته وعملت فيه حتى نبت وأثمر، ولكنني الآن منشغل وعاجز عن سقيه فيكون من هذا السقي ومن هذا الشجر، ودليل ذلك أنه لما فتحت خيبر وملك المسلمون شجرها وأرضها، والمسلمون منشغلون بالقتال وبالجهاد اتفق النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود الذين هم أهلها على أن يعملوا فيها بنصف الثمرة، يعملون في سقيها، وحرثها وكل تركيب وتلقيح وصرام، ولهم نصف الثمرة، فدل ذلك على جواز المساقاة، وليس خاصاً بالنخل، بل تجوز في غير النخل، كشجر العنب والتوت والرمان والخوخ والمشمش والطماطم والبطيخ بأنواعه، والتفاح بأنواعه، وما أشبه ذلك، فهذه أيضاً يصح أن يساقي عليها.
كذلك لو بدت ثمرة الشجر وعجز صاحبها عن إتمام بقيتها، فقال لعامل: لك ربعها على أن تسقيها حتى تنمو أو حتى تنضج، وعلى أن تجزها أو تلتقط هذه الثمرة الموجودة في شجرة الأترج أو الباذنجان، فيجوز ذلك، وله جزء منها مشاع، كذلك لو قال -مثلاً-: هذه الأرض، وأنا أشتري لك الشجر، وأنت اغرس الشجر، وهذه البئر أخرج منها الماء واسقِ الشجر إلى أن يثمر، وإذا أثمر فإن الثمرة بيننا، لي نصفها ولك نصفها، أنا مني الأرض ومني الشجر ومني الآبار، وأنت منك العمل -عمل يديك- يصح ذلك، ويكون بجزء مشاع، ولا يجوز أن يشرط له ثمرة شجرة معينة، فلا يقول -مثلاً-: لي التمر السكري -مثلاً- ولك تمر الصهري.
أو: لي ثمر هذه الشجرات الأربع ولك هذه الأربع.
لماذا لا يجوز؟ لأنها قد تثمر هذه ولا تثمر الأخرى، وقد تكون إحداهما أكثر ثمرة من الأخرى، فيحصل في ذلك الضرر والغبن على أحدهما، أما إذا قال: لك الربع أو الثلث أو النصف من جميع الثمرة رفيعها ووضيعها، غاليها ورخيصها صح ذلك، فيكون بجزء من الثمرة كنصفها، أو بجزء من الشجر بأن يقول -مثلاً-: إذا أثمر فلك نصف الشجر.
أو منهما فيقول: لك نصف الثمر ولك نصف الشجر، أو شجري الذي لي لك نصف ثمرته وشجرك لك.
أو ما أشبه ذلك.
والمساقاة والمزارعة عقدان جائزان، لكل منهما فسخه، فالعامل قد يفسخ والمالك قد يفسخ، فإذا فسخ العامل فقد أسقط حقه، فلو قدر أنه اشتغل وسقى شهراً أو نصف شهر ثم تركه فإنه يكون قد أضر بصاحب الشجر، فلا شيء له؛ لأنه يقول: أنا اتفقت معك حتى يثمر، وأنت الآن قد تركته ولم تسقه، فلا شيء لك، ذهب تعبك وعملك، أما إذا فسخ المالك عندما ظهرت الثمرة أو قبل أن تظهر الثمرة، كأن سقاه العامل نصف سنة، وقبل أن يظهر ثمر النخل طرده المالك لغير سبب فإنه يعطيه أجرة مثله، عن كل شهر كذا وكذا، فأما بعد ظهور الثمرة فإنه يستحق منها؛ لأنها قد ظهرت وأبّرت، فله نصيبه منها حتى ولو منعه المالك.
وقد ذكرنا فيما تقدم أنه إذا باع النخل بعد أن يُؤَبَّرَ فإن الثمرة للبائع، وهاهنا يقول: [تملك الثمرة بظهورها] يعني: يملكها العامل؛ لأنه عمل حتى ظهرت الثمرة، فعلى العامل أن يتمم العمل، وإذا طرده المالك لم يسقط حقه من الثمرة.
والعامل يعمل بيده، فكل ما فيه نمو الثمرة أو إصلاحها فإنه يلزمه، فعليه تركيب، وعليه اللقاح، وعليه الجزاز، وعليه الحصاد، وعليه السقي، وعليه الزبر، وعليه حرث الأرض، وعليه إصلاح مجاري الماء، وعليه إصلاحُ الأدوات التي يمشي معها الماء، ويكون العقد على حسب الاتفاق، فلو اتفقا على أن المالك يدفع قيمة المشتروات كلها فله ذلك، وعلى رب الأرض حفظه، فإذا انهدم الجدار أو انقطع الشباك فعليه إصلاحه، أو انهدمت البئر فعليه حفرها، أو خربت الماكنة فعليه إصلاحها، وإذا كانا شريكين فعليهما بقدر حصتيهما في الجزاز، فإذا ما بقي إلا حصاد الزرع يقول: علي نصف الحصاد وعليك نصفه وإن اتفقا على أن الحصاد على العامل والجزاز عليه لزمه ذلك.