الوكالة: مشتقة من وكلت الشيء إلى فلانٍ يعني: فوضته إليه، ويعرفونها اصطلاحاً: استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة.
فقولهم: (استنابة) يعني: إقامة آخر مقامه، وصريحها أن يقول: وكلتك، أو أنبتك، أو فوضت إليك، أو قم مقامي في كذا.
وسبب شرعيتها أن الإنسان قد لا يقدر على قضاء حوائجه كلها بنفسه، فجاز له أن يوكل غيره، فيوكله ليبيع سلعته، ويوكله ليشتري له سلعةً، ويوكله ليخاصم في دين له أو حق، ويوكل لقبض ديونه أو جمعها، فيقوم الوكيل مقامه فيما وكله فيه.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوكل بعض أصحابه لقبض الزكوات وهم العمال، وكذلك ورد أنه قال: (ائت وكيلي بخيبر ليعطيك وسقاً من التمر، فإن طلب منك آية فضع يدك على ترقوته) ، فلم يكن هناك وثائق ولا أختام، فكأنه قال: من جاءك يطلب من التمر زاعماً أني أرسلته، فلا تعطه حتى يضع يده على ترقوتك، وهو العظم الذي بين النحر والكتف، فهذا دليل على أنه كان يوكل أصحابه لجمع الزكوات، ويفرقونها بإذنه.
وكذلك روي (أنه وكل عروة البارقي أن يشتري له شاةً بدينار، فاشترى له شاتين بدينار، وباع إحداهما بدينار، وجاءه بشاة ودينار، فدعا له بالبركة، فكان لو اشترى التراب لربح فيه) ، وفي حديث زيد بن خالد وأبي هريرة في قصة العسيف أنه قال: (اغد -يا أنيس - إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) ، فوكله في إثبات هذا الحد، ووكله في إقامته، وهذا يدل على أن هذا كله جائز.
ومن المعلوم أن هذه المملكة تحت ولاية الملك، وهو لا يستطيع أن يباشر كل الأعمال بيده، فوكلاؤه يعتبرون نوابه، فالوزراء وكلاء، وقد وكلوا في كل دائرة من يقوم بها، فهذا موكل في هذا النوع من المعاملات، وهذا موكل بالصرف لكذا وكذا، وهذا موكل بالقبض من كذا وكذا، وهؤلاء القضاة موكلون في إثبات الخصومات، وكذلك المنفذون موكَلون بتنفيذ الحدود، وبتنفيذ الأحكام القضائية وأشباه ذلك، هذا من حيث العموم.
أما من حيث الخصوص، فإن كلاً منا قد يكون محتاجاً إلى الوكالة، فأنت مثلاً تحتاج إلى شراء وأنت منشغل، فتوكل من يشتري لك ثوباً أو كيساً أو نحو ذلك، أو توكل من يبيع شاتك أو يبيع دارك، أو ما أشبه ذلك، ويقوم هذا الوكيل مقام الموكل، ولا شك أن هذا ونحوه دليل مشروعية الوكالة، وأن الناس بحاجة إليها، لا يستغنون عن أن يوكل أحدهم صاحبه في قضاء حاجته.
وقد عرفنا أن الوكالة: استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة.