يشترط لهذا الصلح شروط: الشرط الأول: أن يكون المصالح ممن يصح تبرعه.
فإذا كان المالك سفيهاً أو مجنوناً فلا يصح صلحه، وذلك لأنه محجور عليه لا يصح أن يتصرف ولا أن يتبرع، وهذا قد تبرع -مثلاً- بألف أو بألفين أو بشاة أو ناقة، فلا بد أن يكون ممن يصح تبرعه، وهو الحر المكلف الرشيد، فالمملوك لا يصح تصرفه فلا يصح تبرعه، والصغير لا يصح تبرعه، والمجنون لا يصح تبرعه، والسفيه لا يصح تبرعه.
الشرط الثاني: أن لا يكون بلفظ الصلح بل بلفظ الإسقاط أو بلفظ الإبراء، فيقول -مثلاً- أبرأتك من نصف الدين أو ثلثه أو: أسقط عنك كذا وكذا.
فلا يكون بلفظ الصلح؛ لأنه إذا كان بلفظ الصلح يكون فيه شيء من الإجبار، فيقولون: يشترط ألا يكون بلفظ الصلح، بل بلفظ الإبراء أو الهبة أو الوضع، أي: أن يضع عنه كذا.
الشرط الثالث: أن لا يكون هناك شرط، كأن يقول: لا أقر لك بدينك إلا إذا أسقطت عني نصفه أو ربعه.
فيقول: أنا أعترف أن لك عندي عشرة آلاف، ولكن ليس لك بينة، وليس عندك وثيقة، وأنا سوف أجحدك وأنكر هذا الدين إذا أتينا عند القاضي ولا أقر بذلك، ولا أعترف عند الشهود، ولا أكتب لك وثيقة إلا إذا أسقطت عني نصفه أو ثلثه أو ربعه أو عشره.
فيقول: سوف آتي بشهود، واعترف أمام الشهود بالدين الذي هو عشرة آلاف وأنا أسقط عنك منه ألفين -مثلاً- أو ألفاً، ولكن أنت الآن تلتزم بالاعتراف، فأنا ما عندي بينة ولا كتبت عليك، بل وثقت بذمتك ووثقت بأمانتك وأعطيتك مالي، ولم أشعر بأنك ستجحدني.
فيقول: أنا أجحدك، ولا أعترف أمام الشهود إلا إذا أسقطت عني النصف أو الثلث أو ما أشبه ذلك فيقول: سوف آتي بالشهود واعترف أمامهم أن عندك لي عشرة، أو أن عندك لي هذه الأمانة مثلاً، أو هذه الأغنام أو ما أشبهها، فاعترف أمام الشهود، وفيما بيني وبينك أعطيك منها ألفاً أو شاة أو ما أشبه ذلك.
فجاء بالشهود واعترف وكتبوا شهادتهم: إن فلاناً مدين لهذا بعشرة ألاف.
أو: إن هذه الأغنام له أو هذه الأكياس أو هذه الأعيان، ثم قال: ولكنه التزم بأن يعطيني منها كذا وكذا مقابل الاعتراف! فالمالك يقول: أنت لا تستحق، وذلك لأنك خائن لم تعترف إلا بعد أن التزمت لك بذلك، فأنت لا تستحق شيئاً الآن، وثقت ديني أمام هذين الشاهدين باعتراف منك، فلا حق لك فيما وعدتك، ما وعدتك إلا لأجل أن تعترف.
فيقول: كيف تعدني وتخلف ما وعدتني؟ فيقول: ما وعدتك إلا لأجل أن تقر أمام الشاهدين مخافة أن تجحد.
هذه شروط هذا الصلح: الشرط الأول: أن يكون ممن يصح تبرعه.
الشرط الثاني: أن لا يكون بلفظ الصلح.
الشرط الثالث: أن لا يمنعه حقه بدونه.
فلا يقول: لا أعترف لك إلا بشرط أن تعطيني منه كذا.
فهذا صلح على جنس الحق يعني: على إسقاط شيء من الدراهم أو شيء من الأغنام أو ما أشبه ذلك.