إذا قبض المقترض العين المقرضة فتلفت في يده فإنها تذهب عليه، وليست كالأمانة، بل يرد بدلها إذا تلفت، فلو أقرضك إنساناً ألفاً، ولما خرجت بها سرقت منك فالدين ثبت في ذمتك، وأنت الذي تغرم هذا الألف الذي ذهب عليك؛ لأن صاحبه أثبته في ذمتك، وعند الرد يرد المثل بالمثليات، وترد القيمة بغير المثليات، فالفلوس التي تسمى (الهلل) يرد مثلها، وإن بقيت عند الذي اقترضها ردها بعينها، والمكيل كذلك، فإذا اقترض صاع بر أو صاع ملح فإنه يرد مثله، وكذلك المعدود، ويحدث كثيراً بين الجيران أنهم يقترضون أشياءً ثم يتسامح فيها ولو كانت متقاربة، وقد لا تكون متماثلة، فيقترضون لطعامهم شيئاً من الطماطم أو الباذنجان أو القرع ما يُصلحون به طعامهم، وكذلك قد يقترضون بعض الأشياء من الصابون أو المناديل التي هم بحاجة إليها، يقترضونها ويردون بدلها، والتفاوت بينها يسير، فيرد المثلي بمثله.
والموزون كذلك، فإذا اقترض منه -مثلاً- قدر كيلو من لحم الإبل رد مثله، أو من لحم السمك رد مثله، أو دجاجة رد مثلها، فإن عدم المثل رجع إلى القيمة، ومتى يقومها؟ يوم الرد، فمثلاً: أقرضك مائة كيلو من التمر السكري، ولما طلبها لم يوجد هذا النوع من التمر، وفي هذه الحال له قيمته، فمتى يقوّم هذا القرض؟ نفرض أنه أقرضك في محرم، وقيمة السكري يومها -مثلاً- الكيلو بعشرة، وطلبه منك في شهر رمضان وعُدم، ولو وجد لكانت قيمته الكيلو بعشرين، فترد عليه الكيلو بعشرين، وذلك لأنه وقت الطلب ووقت وجوب الدفع ووقت وجوب الوفاء.
ويحدث كثيراً أن بعض الناس من خارج البلاد يقترض منك -مثلاً- ألف ريال، وهو سوداني مثلاً، وفي ذلك الوقت كان الريال السعودي يساوي جنيهين سودانيين، وبعد خمس سنين قال: أعطني ألف ريال.
فقال: في هذا الوقت ليس عندي إلا جنيهات سودانية، والجنيه الآن قيمته عُشر ما كان عليه في ذلك الزمان، وصار الريال يساوي عشرين جنيهاً، وأنت الآن تطلب قيمته، فهل قيمته يوم فقده أو يوم طلبه؟ في هذه الحال نقول: هو أقرضك ألف ريال فرد عليه ألف ريال أو قيمة الألف عند الطلب، ولو كانت قيمته في ذلك الوقت -مثلاً- ألفي جنيه والآن قيمته عشرة آلاف أو أكثر أو أقل، فرد عليه قيمة ما أقرضك؛ لأنه موجود.
وهكذا لو اتفقا في الاسم، فلو أن بعض الإخوان اليمنيين أقرض أحد أصدقائه ألف ريال سعودي، وذلك المقترض حولها إلى ثلاثة آلاف ريال يمني، ثم بعد خمس سنين طالبه من اليمن فقال: أعطني ألف ريال سعودي، فقال: في ذلك الوقت كانت تساوي ثلاثة آلاف، فأعطيك الآن ثلاثة آلاف ريال يمني.
وفي هذا الوقت تساوي -مثلاً- مائة ألف ريال يمني أو قريباً منها، فنقول: لا، بل أعطه ألف ريال سعودي أو قيمتها بالريال اليمني؛ وذلك لأن على المقترض أن يرد مثلما أقرض، أو قيمته وقت الطلب.
أما ما ليس له مثل فيرد بقيمته يوم قبضه، فبعض الأشياء لا يوجد لها مثل، مثل بعض الفواكه، فلو اقترض -مثلاً- بعض البطيخ أو بعض الفواكه والخضار وما أشبه ذلك مما لا يوجد لها مثل فإنه يرد قيمتها يوم القبض، فعندما قبضته كم كانت قيمته؟ قيمته ألف أو نصف الألف.
أما إذا طالبك بها في بلد آخر، كأن أقرضك في الرياض ألفاً وطلبه في مكة فعليك أن تقضيه؛ لأنه ليس في حمله مئونة عليك، أما إذا أقرضك -مثلاً- عشرة كيلو تمر في الرياض، وطلبه منك في الأحساء فهل ترده؟
صلى الله عليه وسلم ترده؛ لأنه خفف عليك قيمته وحمله إليه، وقد تكون قيمته أنقص، ولو كان الأمر بالعكس، فلو أقرضك في الأحساء عشرة كيلو وطلبها منك في الرياض.
فإنك تعطيه قيمتها في الأحساء؛ لأنه إذا أعطيته هناك فكأنك نقلتها له وأسقطت عنه أجرتها، وقد تكون قيمتها هناك أكثر، فلذلك قالوا: إذا كانت في بلد القرض أرخص فإنه يعطيه قيمتها.