يصح السلم بسبعة شروط: الشرط الأول: أن يكون مما يمكن ضبط صفاته، كمكيل وموزون ومعدود ومزروع يمكن ضبط صفاته، وأخرجوا ما لا ينضبط بالصفات، وعرفوه بأنه الذي تدخله الصناعات اليدوية، وذلك لأنه يختلف، فقد كانت الصناعات اليدوية قديماً تختلف، فالذي يصنع السكاكين لا يجعلها متساوية، بل هذه أكبر من هذه، وهذه أقطع وأمضى من هذه، وهذه فيها حديد قوي وهذه حديد ضعيف، وكذلك الذي يصنع القدور تختلف، فيكون بعضها أكبر من بعض وبعضها أقوى، وهكذا الذي يخيط الثياب، فعادة أنها لا تتساوى، ويكون هذا أطول أو هذا أوسع وما أشبه ذلك، فيقولون: لا يصح السلف فيما تدخله الصناعة اليدوية.
أما في هذه الأزمنة فقد أصبحت الصناعة بالماكنة، وأصبح الاختلاف يسيراً أو ليس هناك اختلاف، فالمصنوعات الآن تصنع بالماكنات، والتجار الآن يسلمون فيها، فيتفقون مع الشركات المنتجة، ويقدمون لها الثمن أو نصف الثمن، ويحدد لهم مدة يسلمون البضاعة فيها، وأصبحت هذه الأدوات كلها يصح السلم فيها؛ لأنها لا تختلف، فيسلمون -مثلاً- في القدور، ويعرفون أرقامها مثلاً، فرقم كذا سعره كذا، ويقول التجار: نشتري منكم -أيها الصناع في المصانع- القدر رقم كذا -مثلاً- بعشرين ونقدم لكم الثمن، ويأتينا بعد نصف سنة.
وتكون القدور معروفة، فالذي بثلاثين يعرف برقم كذا، ورقم كذا بعشرين، ورقم كذا بعشرة، ورقم كذا بخمسة، وكذلك أيضاً الأباريق أصبحت معروفة منوعة تنضبط بالصفة، ويصح السلم فيها، وكذلك الصحون أصبحت أيضاً معروفة، وكذلك كل شيء تدخله الصناعة أصبحت الصناعة تضبطه، وهم يسلمون فيها الآن، فيسلمون -مثلاً- في الملاعق مائة ألف كلها بريالين، وكذلك يسلمون في السكاكين الصغيرة أو الكبيرة، حتى في الأمواس والإبر وما أشبهها، يسلمون في الصغير والكبير، فجاز ذلك لأنها أصبحت تنضبط بالصفات، وكذلك أيضاً سائر المصنوعات، فيسلمون الآن في الأحذية، ومن قبل كان الخراز يشقق أحذيته ثم يخرزها بيده بمخراز فيقع فيها اختلاف، فتكون هذه أثقل، وهذه أكبر، وهذه أصغر، ولا يجوز السلم فيها لأنها تختلف، وأما الآن فأصبحت أرقاماً محددة، وليس بينها اختلاف أصلاً، وكذلك أيضاً الثياب أصبحت تصنع بالماكنات بمقاسات معينة، أما التي يفصلها المفصلون ويخيطونها فإنها من الصناعات اليدوية، فأما التي تخاط بالماكنة تفصيلها وعملها فهذه يصح السلم فيها لعدم الاختلاف فيما بينها، فأصبحوا الآن يسلمون حتى في الماكنات الكبيرة مثل مضخات الماء والسيارات مع كبرها إذا كانت تنضبط بالصفة، فمثل هذا جائز لعدم المحذور، وقديماً منعوا من ذلك لكونه يختلف، والآن أصبح الاختلاف فيه يسيراً، وهذا الشرط الأول.