قال المصنف رحمه الله تعالى: [وربا النسيئة يحرم فيما اتفقا في علة ربا فضل كمكيل بمكيل، وموزون بموزون نساءً إلا أن يكون الثمن أحد النقدين فيصح، ويجوز بيع مكيل بموزون، وعكسه مطلقاً، وصرف ذهب بفضة وعكسه، وإذا افترق متصارفان بطل العقد فيما لم يقبض.
فصل: وإذا باع داراً شمل البيع أرضها وبناءها وسقفها وباباً منصوباً وسلماً ورفاً مسمورين، وخابية مدفونة؛ لا قفل ومفتاح ودلو وبكرة ونحوها.
أو أرضاً شمل غرسها وبناءها، لا زرعاً وبذره إلا بشرط، ويصح مع جهل ذلك، وما يجز أو يلقط مراراً فأصوله لمشتر، وجزة ولقطة ظاهرتان لبائع ما لم يشرط مشتر] ذكر المؤلف أن الربا نوعان، وتقدم ربا الفضل، وأشرنا أيضاً إلى ربا النسيئة، وأنه كان ربا الجاهلية، يقول: (يحرم ربا النسيئة فيما اتفقا في علة ربا الفضل) أي: في كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل، ولو لم يكونا من جنس واحد، فيحرم فيهما النسأ، صورة ذلك: لا تبع صاع تمر بصاعين زبيب نساء، ويجوز يداً بيد، أو صاع زبيب بصاعين تمر، ويجوز يداً بيد، وذلك لاختلاف الجنس، ولكن لا يجوز نساء؛ لأن في حديث عبادة: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد) فيعم بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل، أي: إذا كانا مكيلين، البر مكيل والشعير مكيل، اتفقا في العلة وهي الكيل، فلا يباع أحدهما بالآخر إلا يداً بيد، وإذا بيع بر بشعير يشترط شرط واحد، وهو: التقابض، ولا يشترط التماثل، فيجوز أن تبيع خمسة آصع بر بعشرة آصع شعير، ولكن يداً بيد، ولا يجوز النسأ، لا يجوز أن تقول: أعطيك الآن خمسة آصع بر، وتعطيني بعد عشرة أيام عشرة آصع شعير، لا يجوز ذلك؛ لأن العلة واحدة، وهو أن هذا مكيل وهذا مكيل، وكذلك بقية المكيلات، مثل صاع من الهيل بخمسة آصع من القهوة، يجوز، ولكن يداً بيد، ولا يجوز أن تقول: أعطيك الآن صاعين وتعطيني بعد عشرة أيام أو عشرين يوماً خمسة آصع من القهوة، لا، لابد أن يكون يداً بيد، وهكذا بقية المكيلات، حتى ولو لم تكن من القوت، فمثلاً: الفل أو الشونيز -الذي هو الحبة السوداء- مكيل عندنا، ومطعوم عند الشافعي، فهو ربوي، فإذا قلت -مثلاً-: أعطيك الآن صاعاً من الحبة السوداء، وتعطيني بعد خمسة أيام صاعين من الحلف -الذي هو الرشاد- أو مما يسمى بالحب الحار أو ما أشبه ذلك، فلا يجوز؛ لأن العلة واحدة، وهي: أنه مكيل بمكيل.
وكذلك أيضاً إذا اتفقا في الوزن، إذا كان هذا موزوناً وهذا موزوناً، وكان هذا جنساً وهذا جنساً، فمثلاً اللحوم موزونة، فإذا قال: أعطيك الآن كيلو لحم غنم، وتعطيني غداً أو بعد غد كيلوين لحم إبل لا يجوز، أما إذا كان يداً بيد كيلو بكيلوين فيجوز، إذا كان يداً بيد ولو تفاوت؛ لأن هذا جنس وهذا جنس، وهكذا -مثلاً- إذا قال: أعطيك كيلو لحم سمك بكيلوين لحم دجاج غداً أو بعد غد لا يجوز إلا يداً بيد، يجوز فيه التفاضل، ولا يجوز فيه النسأ، وكذلك إذا قال: عشرين جراماً ذهباً بمائة جرام فضة يجوز يداً بيد، ولا يجوز فيه النسأ، وكذلك حديد بنحاس يجوز فيه التفاضل ولا يجوز فيه النسأ، إذا بعت -مثلاً- كيلو حديد بكيلوين نحاس يجوز يداً بيد، ولا يجوز أن يكون نساءً؛ لأن العلة واحدة، وكذلك القطن بالصوف، فإذا بيع كيلو قطن بكيلوين صوف أو بالعكس، يجوز يداً بيد، ولا يجوز نساءً ولو بعد المجلس بنصف ساعة.
فهذا معنى قوله: ربا النسيئة يحرم فيما اتفقا في علة ربا الفضل.
عندنا -مثلاً- اللحم والقطن، ما العلة فيهما؟ الوزن، فلا يباع قطن بحديد إلا يداً بيد، ولا يشترط التماثل، وكذلك -مثلاً- الرصاص بالنحاس العلة فيهما ما هي؟ الوزن، فلا يباع رصاص بنحاس إلا يداً بيد، يجوز التفاضل ولا يجوز النسأ يعني: التأخير.
وإذا عرفنا أن الفلفل والزنجبيل العلة فيهما واحدة وهي الكيل، فيباع أحدهما بالآخر متفاضلاً، ولا يجوز التأخير والنسأ، لا بد أن يكون يداً بيد، مكيلاً بمكيل، فهيل مع قهوة لا يجوز إلا يداً بيد؛ لأنهما موزون بموزون، وحديد برصاص لا يجوز نَساءً، إلا إذا كان الثمن أحد النقدين فإنه يجوز، وذلك للضرورة.