ذكروا أنه لا يجوز أن يباع الشيء بجنسه وزناً ولا عكسه، فيقولون مثلاً: التمور مكيلة، فلا يباع تمر وزناً بتمر كيلاً، وذلك لعدم تحقق التساوي، فلا يباع مكيل بجنسه إلا كيلاً، ولا موزون بجنسه إلا وزناً، فلا يباع صاع تمر باثنين كيلو تمر؛ لعدم معرفة التماثل، أو صاع زبيب بثلاثة كيلو زبيب، ما يجوز، فلا يباع إلا كيلاً، والصحيح: أنه يجوز وزناً؛ لأن الوزن أضبط بالمثلية، كما هو اليوم واقع الناس، فالتمر أصبح موزوناً، والزبيب أصبح موزوناً، والدهن أصبح موزوناً، فيجوز أن يباع مثلاً تمر بتمر كيلو بكيلو، ولو اختلف النوع؛ ولذلك قال: (ولا عكسه إلا إذا علم تساويهما في المعيار الشرعي) والمعيار الشرعي في المكيلات هو: الصاع، وفي الموزونات: هو ما يعرف بالرطل قديماً، وما يعرف الآن بالكيلو، وهو المعيار الذي تقدر به المقدرات، وقد توسعوا في ذكر الأمثلة؛ لذلك قالوا: لابد من التحقق في التماثل، ثبت أنه صلى الله عليه وسلم سئل: هل يباع الرطب بالتمر؟ فقال: (هل ينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم) وهو يعرف أنه ينقص؛ لأنه إذا كان رطباً يزيد بهذه الرطوبة، فإذا يبس وجف خف وزنه، وخف كيله، فقال: (لا يباع إلا مثلاً بمثل) يعني: لا يباع الرطب باليابس لعدم تحقق التساوي، أما الدقيق مثلاً فيباع وزناً ولا يباع كيلاً؛ لأن العادة أنه إذا طحن انتشرت أجزاؤه، فأنت مثلاً تأتي بالصاع من البر تطحنه، وإذا كلته وجدته قد زاد، وأصبح الصاع صاعاً وربع أو صاعاً وثلث.
ففي هذه الحال: لا يباع صاع دقيق بصاع بر؛ لعدم تحقق التساوي، لكن بالوزن يتحقق التساوي، فإذا بيع كيلو دقيق بكيلو بر فلا بأس بذلك.
وكذلك العصيرات تلحق بأصولها، فعصير العنب يعتبر مثل العنب، فلا يباع إلا بجنسه مثلاً بمثل، ودبس التمر يلحق بالتمر، فلا يباع دبس بدبس إلا متساوياً متماثلاً، أما إذا خرج عن جنسه فالصحيح أنه يجوز التفاضل فيه، مثاله: الخبز، فالخبز أصبح غير مكيل ولا موزون، أصبح يباع بالعدد، مع أن هناك من يزنه، ففي هذه الحال يجوز أن تشتري رغيفاً برغيفين ولو كان أصلهما براً، ويجوز فيه النساء أيضاً، يجوز أن تقول: بعني رغيفاً وأعطيك رغيفين غداً، والرغيف هو الواحدة من الخبز، وكذلك أيضاً إذا كانت هناك خبزة كبيرة، فتقول: بعني هذه الخبزة بأربع صغيرات، أو بثلاث، فيجوز ذلك؛ لأنه خرج عن أصله، وأصبح غير مكيل ولا موزون، أصبح يباع بالعدد كما هو مشاهد، وأما إذا كان باقياً على أصله أو ملحقاً بأصله كالدبس ونحوه، فإنه باق على ما هو عليه.