الربا حرمه الله تعالى، وورد الوعيد الشديد في تحريمه، فمن ذلك قول الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ} [البقرة:275] فتوعد الله المرابين بأنهم في الآخرة يقوم أحدهم ثم يسقط مثل المجنون الذي يمشي قليلاً ثم يصرع، شبههم بالذي قد لامسه مس من الجن، والعادة أنه يمشي ثم يصرع ثم يقوم فيمشي ثم يسقط، فهكذا المرابون يقومون إذا بعثوا، وفي بعض الآثار أنهم يعرفون بانتفاخ بطونهم، وورد في حديث سمرة الذي في البخاري في ذكر الرؤيا: (أنه مر برجلين أحدهما يسبح في دم، والآخر على طرف الشط عنده حجارة، كلما أتى إليه فتح فمه وألقى فيه حجراً) وفسره بأنه آكل الربا.
وقد اتفق العلماء على أن الربا من كبائر الذنوب، واستدلوا على ذلك بالوعيد الشديد في القرآن؛ قال الله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:275] أي: من عاد إلى تعاطيه، ولم يتب منه، واستعمله وأكله، فإنه متوعد بهذا الوعيد الشديد.
ثم قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا} [البقرة:278] أي: اتركوا ما بقي من الربا {إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:278-279] .
ذكر بعض السلف أنه يقال لآكل الربا يوم القيامة: قم حارب الله ورسوله! أي: كأنه قد استعد أن يحارب الله ورسوله! وماذا يفعل؟ وماذا تنتهي به قوته في هذه المحاربة؟! ويقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً} [آل عمران:130] ولاشك أن النهي يدل على التحريم، وقد ورد الوعيد عليه في الحديث الذي في الصحيح عن جابر وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله، وشاهديه وكاتبه، وقال: هم سواء) فاللعن دليل على التحريم، ويحرم التعاون عليه، فالشاهدان لما شهدا على هذا الحرام وأكداه بشهادتهما دخلا في الوعيد، والكاتب لما علم أنه ربا وكتبه دخل في الوعيد، والآكل: هو الذي يربحه، والموكل: هو الذي يدخله على الآكل، فكلهم عليهم الوعيد.
كذلك ثبت أنه صلى الله عليه وسلم عده من السبع الموبقات كما في الحديث الذي في الصحيح عن أبي هريرة: (اجتنبوا السبع الموبقات.
قالوا: يا رسول الله! وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات) فجعله من جملة هذه المحرمات، وسماها موبقات، يعني: مهلكات.
ووردت أحاديث أخرى فيها وعيد شديد، ولكن يظهر أنها من القُصاص، ولو كانت أسانيدها مقاربة؛ مثل الحديث الذي فيه: (درهم ربا أشد إثماً من ست وثلاثين زنية) فهذا الحديث إسناده مقارب، لكن يظهر أنه من أحاديث القصاص الذين يتساهلون في الرواية، وكذلك حديث آخر بلفظ: (الربا سبعون باباً، أهونها مثل أن ينكح الرجل أمه) فهذا أيضاً من أحاديث القصاص، ويظهر أنها ليست صحيحة، فقد كان هناك قصاص يأخذون ما وجدوا، فربما يسمعون الحديث من أحد العامة فيروونه ويجعلونه حديثاً، فيسمعهم من يرويه ويصدق به.
وبكل حال: الوعيد شديد، وقد صحح بعضهم بعض هذه الأحاديث كما في منظومة ابن عبد القوي: وإياك إياك الربا فلدرهم أشد عقاباً من زناك بنهّد ولكن يكفي أنه من السبع الموبقات، إلى آخر ما ورد فيه.