يقول: [وحرم ولم يصح بيعه على بيع أخيه، وشراؤه على شرائه، وسومه على سومه] .
ورد النهي في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يبع بعضكم على بيع بعض) ، وقال: (لا يبيع المسلم على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه) ، وصورة ذلك: إذا رأيت جارك باع ثوباً بعشرة، وأشرت إلى المشتري وقلت: رده وأنا أبيعك مثله بتسعة.
فيرده لأجل رخص الثمن، وكذلك لو رأيت جارك اشترى شاة أو ذهباً وباعه له البائع بمائة -مثلاً-، ثم إنك رغبت فيه، فأشرت إلى البائع وقلت له: استرجع شاتك أو ذهبك وأنا أشتريها منك بأكثر، أنا أدفع لك في الشاة مائتين أو مائة وخمسين، فحمله على ذلك استعادة تلك السلعة طمعاً في هذا الثمن الزائد الذي زدته عليه، ولا شك أن هذا فيه ضرر بالمسلم.
والعلة في تحريم ذلك أنه يسبب العداوة والبغضاء بين المسلمين؛ لأنك إذا أفسدت عليه صفقة حقد عليك، فإنه قد باع هذا الثوب بعشرة بيعاً جازماً، ولما باعه أشرت إلى المشتري وقلت: أنا أعطيك مثله بتسعة.
فقال: خذ ثوبك ورد علي دراهمي.
ولا يدري ما السبب، فإذا عرف أن السبب كونك أنت جاره، ومع ذلك أفسدت عليه هذا المشتري أو هؤلاء المشترين حقد عليك.
وكذلك -أيضاً- الشراء على شرائه، كما لو جلب عليه سمن فاشتراه بمائة، وقبل أن يتفرقا قلت لصاحب السمن: استرجعه وأنا أعطيك مائة وعشرة.
فاستعاده، فلا شك أن هذا يعتبر ضرراً؛ لأنه قد جزم على الشراء، وقد اشترى هذا السمن بمائة، فأنت أفسدت عليه العقد، وطلبته بمائة وزيادة، فتكون بذلك قد أبطلت عليه تجارته أو أغررت به.
فالحاصل: أن هذا ونحوه من جملة ما جاء الشرع بالمنع منه، وهذا من الأشياء التي فيها ضرر على الطرفين، والعلة في تحريم ذلك ما يسببه من العداوة والبغضاء والحقد بين المسلمين، وإثارة الشحناء، فيقول: فلان كلما اشتريت شيئاً لمز صاحبه، وزاد علي، أو اشتراه من صاحبه بعد أن اشتريته، وكلما بعت على أحد الزبائن أشار إليه واجتذبه إليه، فهو مضار بي، ويحرص على أن يفعل بي ما يضرني.
ولا شك أن هذا مما جاءت الشريعة بالنهي عنه؛ حتى يكون المسلمون إخوة متحابين في الله.