ذكر العلماء شروطاً للتيمم: فأولاً: هل يشترط أن يكون التيمم بتراب أو يجوز بغير التراب؟ الجمهور من الفقهاء على أنه لابد أن يكون بتراب، ومعنى هذا أنه لا يتيمم على صخرة، ولا على بلاط، ولا على فراش، ولا على بطحاء خشنة كالحصباء ونحوها.
والصحيح: أنه يجوز أن يتيمم من الجميع عند الحاجة، وذلك لقوله عليه السلام: (أيما رجل أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره) فقوله: (عنده) أي: ولو كانت الأرض رملية أو حصباء أو صخرية، فإن تيسر التراب طلبه، فإن شق عليه لم يلزمه أن يحمله.
وشدد بعض العلماء فقالوا: إذا كان أمامه أرضاً رملية فعليه أن يحمل معه تراباً ليتيمم منه، ذكر ذلك الشافعية في كتبهم، ولكن الصحيح أن عنده مسجده وطهوره، فيتيمم في أي مكان، فإن وجد التراب فهو أفضل، وإلا تيمم من الرمل أو من البطحاء أو غيرهما.
الشرط الثاني: أن يكون طهوراً، يعني: طاهراً، والله جعل هذا التراب طهوراً يقوم مقام الماء، فإذا كانت الأرض فيها نجاسة من أبوال أو رماد نجس أو أي شيء نجس فلا يجوز التيمم بها؛ لأن الله شرط الطيب في قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء:43] .
والأرض الوسخة لا تسمى صعيداًً طيباً، فالرمادية أو المزبلة أو التي يلقى فيها القمامات والفضلات أو المجزرة التي فيها الدماء والفرث والدم ونحو ذلك ليست أرضاً طيبة، ولا تدخل في قوله: (صعيداً طيباً) .
الشرط الثالث: أن يكون مباحاً، فعند بعض الفقهاء أنه لو تيمم في أرضٍ مغصوبة فلا يُرفع حدثه؛ لأنها ليست مباحة، وكذا لو دخل أرضاً بغير إذن أهلها، يعني: قد أحاطوها ومنعوها فدخل وتسلق حائطاً، يقولون: لا يباح أن يتيمم بها؛ وذلك لأنها غير مباحة.
والأقرب: أنه يرتفع حدثه، ويأثم بدخوله في أرض غيره، ولكن إذا تيمم فيها وصلى فيها، يرتفع حدثه، وتجزئة صلاته، ولا يؤمر بالإعادة، وإنما يقال: أنت آثم بدخول أرض غيرك قهراً، ولكن عبادتك لا نأمرك بإعادتها.
الشرط الرابع: قولهم: (له غبار) ، هذا شرط عند كثير من الفقهاء؛ لأن الله يقول: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة:6] ، وقوله: (منه) للتبعيض، أي: من بعضه، فالأرض التي فيها غبار إذا ضربها بكفيه علق الغبار، ثم مسح به وجهه، ومسح بالغبار كفيه، والتي لا غبار فيها إذا ضربها لا يعلق بيديه شيء، فبأي شيء يمسح؟! هذا قول.
والقول الثاني: أنه لا يشترط الغبار، وأن قوله: (منه) أي: بعد أن تضربه ولو لم يعلق {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة:6] يعني بما ضربتم فيه، فالعادة أن اليد إذا ضربت في الأرض قد يلتصق بها بعض حبات التراب كالرمل والبطحاء ونحو ذلك، وكذلك الغبار ولو كان يسيراً، فيصدق عليه أنه مسح منه.
والأرض الرملية ليس لها غبار كما هو مشاهد، ولو ضربتها ما تطاير غبار.
وقد يكون هناك غبار على غير الأرض، مثلاً: إذا كان هناك فراش في مجلس، وبقي على عدم تنقيته عشرة أيام أو شهراً فضربته بيدك فإنه يتطاير منه غبار، بل قد يجتمع الغبار على غيره ولو كان مرتفعاً، فعلى هذا فله أن يضرب وجه الأرض سواء كان فيه غبار أم لا.
الشرط الخامس: عدم الماء، دليله قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء) وكيف يعدم الماء؟ إذا حبس -مثلاً- ولم يستطع الوصول إلى الماء، فإنه يصلي بالتيمم، أو إذا سافر ومر بأرض صحراء ليس فيها ماء، فيجوز له أن يتيمم، ولو كان معه ماء يحبسه لشربه أو لطبخ طعامه يتيمم؛ لأن الوضوء له بدل، والشراب ليس له بدل.
وكثير من الناس بعد وجود السيارات يتساهلون، فإذا خرجوا -مثلاً- مسيرة عشرين كيلو متراً أو أربعين كيلو متراً تيمموا ومعهم مياه كثيرة، تكفيهم لو توضئوا، وكذلك توجد حولهم مزارع أو قرى، وقد يكون البلد قريباً، ومع هذا يتيممون، ففي مثل هذا لا يجب التساهل إذا كان معهم ماء، ولا يقولون: إننا لسنا على آبار أو مساكن أو نحوها، فإن الماء الذي معهم كثير، ومعلوم أنه لو قل الماء الذي معهم لأرسلوا وارداً يأتيهم بالماء، بل لو فقدوا حاجة كملح الطعام لأرسلوا من يأتيهم به، مما يدل على أن عندهم القدرة على تحصيل الماء، فلا يجوز التيمم والحال هذه، والتيمم مع وجود الماء أو مع القدرة على إحضاره يعتبر تساهلاً؛ لأن الله قال: (فلم تجدوا ماء) ، وقد تشدد الحنابلة في طلب الماء، فقالوا: إذا دخل الوقت لزمه أن يطلب الماء، ويبحث عنه فيما حوله، فإذا بحث لعله يجد مستنقعاً أو يجد غديراً أو يجد بئراً أو نحو ذلك، فيبحث ولا يتيمم إلا إذا تحقق وتيقن أنه ليس عنده ماء.