يُلزم الإمام أخذ أهل الذمة بحكم الإسلام فيما يعتقدون تحريمه من نفس ومال وعرض وغيرها، فيعاملهم بأحكام الإسلام، ويلزمهم بها؛ لأنهم دخلوا تحت حكم الإسلام، فإذا حصل بينهم قتال فإننا نحكم عليهم بالقصاص كما نحكم به على المسلمين، وإذا سرق أحد منهم -ولو كانت سرقة من نصراني مثله- حكمنا بقطع يده، والزنا هم يعتقدون تحريمه؛ فيرجم من زنى منهم إذا ثبت الزنا منه، إما بالإقرار وإما بالشهود، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أمر برجم اليهوديين اللذين زنيا، وكان اليهود -لما كثر فيهم الزنا- اصطلحوا على إسقاط الحد الذي هو الرجم، وتعويضه بالجلد والتحميم، وقالوا: إنه كثر في أشرافنا، فاصطلحنا على أن نجعل حداً يقام على الشريف والوضيع، وهو: أن يركب الزاني والزانية على برذون منكسين، ويحممون وجوههم، ويطوفون بهم في العشائر، فلما حصل الزنا منهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: احكم فيهم، وقالوا: إن حكم فيهم بحد الزنا الذي هو الرجم لم نقبله، وإن حكم بالتحميم قبلناه وجعلناه حجة لنا عند الله؛ فأنزل الله تعالى فيهم قوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة:42] ، وقوله قبل ذلك: {يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} [المائدة:41] فأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يأتوا بالتوراة، فوجدوا فيها آية الرجم، فأمر أن يرجما.
وقوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة:42] ثم قال بعد ذلك: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة:49] قيل: إن الآية الأخيرة منسوخة بالأولى، وأن الحاكم فيهم مخير بين الحكم وتركه، وهذا قول أكثر العلماء، أننا مخيرون أن نحكم بينهم أو أن نتركهم، وقيل: العكس: أن الأولى هي المنسوخة، والأخيرة هي المحكمة: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ) .
والحاصل أننا إذا حكمنا بينهم حكمنا بينهم بشرعنا، ولم نحكم بينهم بقوانينهم الوضعية، بل نختار الحكم الذي هو حكم الله تعالى في النفس كالقصاص، والعرض كالزنا، والمال كالسرقة، أي: إذا قتلوا اقتص منهم أو دفعت الدية كما في الحكم الإسلامي، وإذا زنى أحد منهم جلد إن كان بكراً، ورجم إن كان ثيباً، وكذلك نحكم بينهم في القذف كحكمنا فيما بيننا، وكذلك يحكم فيهم في المال بحكم السرقة والنهب والاختلاس وقطع الطريق وما أشبه ذلك.