الإحرام

الإحرام ركن بلا خلاف؛ وذلك لأنه نية النسك، وليس الإحرام هو اللباس، بل الإحرام هو النية، يعني: أن ينوي بقلبه الدخول في النسك، ثم بعد دخوله فيه يشعر بأنها حرمت عليه المحظورات، وأنه تلبس بهذه العبادة، فهو مثل الإحرام بالصلاة، ومعلوم أنه إذا أحرم بالصلاة حرم عليه الالتفات، وحرمت عليه الحركة والمشي، وحرم عليه الأكل والشرب، وحرم عليه الضحك، وحرم عليه الانصراف عن القبلة وأشباه ذلك، فكذلك نقول: إذا دخل في النسك -أي: في الحج أو العمرة- فإنها تحرم عليه هذه المحظورات، فيحرم عليه تغطية الرأس، ولبس المخيط، والتطيب، وقص الشعر، وتقليم الأظافر إلخ، فالإحرام هو النسك، وهو أن يعزم بقلبه أنه دخل في الإحرام.

وقد تقدم جواز الإحرام قبل أن يأتي الميقات، وذكرنا أنه إذا أحرم بالحج قبل أن تدخل أشهره -كما لو أحرم في آخر رمضان بالحج، وبقي محرماً إلى يوم النحر- فإن ذلك جائز مع الكراهة.

والصحيح أنه ينعقد الإحرام قبل الميقات، وقد روي أن عبد الله بن معمر لما انتصر المسلمون في وقعة نهاوند نذر أن يحرم منها إلى مكة، فعقد الإحرام من خراسان، وجاء محرماً مسيرة أكثر من شهر، إلى أن حل إحرامه بالعمرة بعدما تحلل، وكان ذلك في عهد عثمان، ولكن عثمان لامه لأنه شق على نفسه، وغيره كثير من الذين أحرموا قبل الميقات بمدة، وقد تقدم قول بعضهم: يحرم من دويرة أهله إن كان دون الميقات، لكن قد روي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] قال: (إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك) وظاهره أنه يحرم من حين يخرج من بيته مسافراً، ولكن ابن عباس ومن قال بهذا أرادوا أن تنشئ لهما سفراً، وأن يكون سفرك من بيتك إلى الحرم لأجل الحج أو لأجل العمرة، فهذا هو الذي يكون أجره كاملاً، وأما الذي يسافر لغرض ثم يعتمر في طريقه، فهو وإن كانت عمرته مجزئة لكنها أنقص أجراً ممن لم يسافر إلا للعمرة، فالذين يسافرون لغرض كتجارة أو زيارة أو احتفال، أو لحضور مناسبة في مكة أو في جدة أو في الطائف، ثم يقولون: إذا وصلنا ذلك المكان نأخذ عمرة، نقول: عمرتهم مجزئة؛ ولكن ليست مثل عمرة الذي ما حمله على السفر إلا أداء العمرة، فهذا عمرته أكثر أجراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015