ثم بعدها يتوجه من مزدلفة إلى منى، ويسير -أيضاً- كما يسير من عرفة إلى مزدلفة سيراً معتاداً، وإن كان في هذه الأزمنة الناس يسيرون على السيارات، والسير على السيارات يختلف عن السير على الرواحل.
فإذا وصلوا إلى وادي محسر أسرعوا رمية حجر، ووادي محسر حاجز وفاصل بين منى ومزدلفة، وليس هو من المشاعر، وقدر رمية الحجر يمكن أنه -مثلاً- عشرة أمتار، والآن قد حددوه، ولكن زعموا أنه أربعون متراً من باب الاحتياط، وإلا فهو قدر رمية حجر، أي: قدر ما يأخذ الإنسان حجراً ويرمي به.
والعادة أنه إذا رمى به يمتد نحو عشرة أمتار أو خمسة عشر متراً، فهم من باب الاحتياط جعلوا له حدوداً من جهتيه.
إذاً النبي عليه الصلاة والسلام أسرع فيه السير براحلته، وذلك لأنه الوادي الذي تحسر فيه فيل أبرهة، والذي أنزل عليهم فيه الطير الأبابيل تحمل حجارة من سجيل، فهذا واد قد نزل فيه هذا العذاب، ولكن مع ذلك الناس في هذه الأزمنة لشدة زحامهم يسكنون فيه، ويكون مستقراً لكثير منهم لعدم المساكن، فيعذرون بذلك، وأيضاً لا يتيسر الإسراع فيه، وذلك لشدة الزحام، لا إسراع السيارة ولا إسراع الراجلين.
قوله: [وأخذ حصى الجمار سبعين، أكبر من الحمص ودون البندق] .
حصى الجمار تؤخذ من أي مكان، ولكن كثيراً من الفقهاء ينصون على أنه يؤخذ من مزدلفة، فكانوا يأخذون من مزدلفة سبعين حصاة، سبعاً ليوم العيد، والثلاثة الأيام التي بعدها لكل يوم إحدى وعشرون، والصحيح أنه يؤخذ من كل مكان، والنبي صلى الله عليه وسلم ما أخذ من مزدلفة إلا سبعاً، قال للفضل بن عباس: (ناولني سبع حصيات.
يقول: فناولته حصيات مثل حصى الخذف -أو هن حصى الخذف- فقال: بمثل هذا فارموا عباد الله، وإياكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) ، وحصى الخذف هي الحصاة التي يجعلها بين إصبعين ثم يخذف بها، أي: يرمي بها صيداً أو نحو ذلك كالعصفور أو نحوه، وهو الذي ورد فيه أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن الخذف، وقال: إنها لا تصيد صيداً ولا تنكأ عدواً، ولكنها تفقأ العين وتكسر السن) .
فحصى الخذف: الحصيات التي هي قدر نواة التمر أو أصغر، أو قدر حبة الفول أو قريباً منها.
والحمص هو المعروف الذي يؤكل، ويسمى القريض، والبندق نبت أكبر منه، وهو نبت شيء من الشجر عليه قشرة.
فيكون هذا مقدار الحصى التي يرمى بها.