المبيت بمزدلفة واجب من الواجبات كما سيأتي، وذهب بعضهم إلى أنه ركن، واستدلوا بقول الله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة:198] والمشعر الحرام هو مزدلفة، فهذا الأمر يدل على الوجوب: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة:198] (عنده) يعني: فيه.
والأكثرون على أنه من الواجبات التي إذا تركت جبرت بدم.
والآن يحصل أن كثيراً يفوتهم المبيت بمزدلفة لأجل الزحام، فيتوجهون من عرفة، ولشدة الزحام قد لا يصلون إلى مزدلفة إلا بعد الصباح، فهل عليهم دم والحال هذه؟ نرى أنه لا دم عليهم، وذلك لأنهم بذلوا وسعهم وتوجهوا كما توجه غيرهم، ولم يستطيعوا فعل أكثر مما حصل، وإذا كان بعضهم أقوياء يستطيعون مواصلة السير إذا رأوا أن السير يتأخر بهم فاستطاعوا أن يواصلوا السير بأقدامهم مسيرة ساعة أو ساعة ونصف حتى يصلوا إلى مزدلفة فهو أفضل، والعجزة والنساء ونحوهم يسقط عنهم بقدر ما بذلوه من الجهد.
وفي مزدلفة يقع خطأ من كثير من الذين يتعجلون، وهو أن كثيراً منهم يجلسون فيها ساعة أو ساعة ونصفاً، ثم يسيرون إلى منى، وهذا خطأ، وكثير من الناس إذا كان نصفهم أو ثلثهم نساء ادعوا أن لهم عذراً، فيجلسون ساعة أو ساعة ونصفاً ثم يتوجهون إلى منى، ولا شك أنه قد وردت الرخصة للنساء والعجزة كما جاء: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لـ أم سلمة ولـ سودة أن تدفعا في آخر الليل) وهذه الرخصة خاصة بمن هذه حالته، أما بقية الصحابة وأمهات المؤمنين فإنهم بقوا.
كذلك رخص لبعض الشباب أن يذهبوا مع بعض النساء، ومنهم ابن عباس رضي الله عنه، يقول: إنه من جملة الذين أذن لهم أن ينفروا آخر الليل، ولكنه جعل يضرب أفخاذه ويقول: (أي بني! لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس) فدل على أنه رخص لهؤلاء، ولا تكون الرخصة عامة للناس كلهم، فيتنبه إلى أن الأصل المبيت بمزدلفة إلى الصباح، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه.