ويشترط في وجوب الحج على المرأة أن يكون معها محرم، وهذا هو قول الجمهور، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاث إلا ومعها ذو محرم) ، وفي حديث آخر: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسير مسيرة يومين إلا ومعها ذو محرم) وأقل ما ورد في ذلك مسيرة يوم، هذه أدلة الجمهور.
وذهب المالكية إلى أنه يجوز أن تحج مع نسوة ثقات، ذكر مالك ذلك في الموطأ، وقال: إن الحج فريضة، وهذه مستطيعة من حيث المال، والمحرم إنما هو شرط، والفرض يقدم على الشرط، فإذا علم أن سبب المحرم إنما هو الخوف عليها من الوقوع في الفاحشة ونحوها فإذا أمنت بأن كانت مع نسوة ثقات فلا حرج ولا خوف عليها.
هكذا يعلل المالكية، وفي زمانهم كان المالكية يأتون من أقصى المغرب، من بلاد المغرب ومن بلاد أفريقيا ومن الأندلس ونحو ذلك، وهؤلاء كلهم على مذهب مالك، فكانوا يرسلون نساءهم بدون محرم في السفن، ويشترطون أن يكون معها ثقات من النساء، ومع ذلك فإن الخطر موجود.
ويمكن أن يتساهل في هذه الأزمنة إذا أيست ولم تجد محرماً، وسافرت في السيارات الكبار (الحافلات) التي يفصل فيها بين النساء والرجال بحاجز ولا يحصل الاختلاط، وإذا نزلوا تكون النساء جميعاً في خيام والرجال في خيام والمدة قصيرة، مثلاً: ستة أيام أو سبعة أيام، وهذا للتي لا تجد محرماً، مثل الخادمات، وكثيراً ما يشترط أهلها على من استقدمها تمكينها من أداء الحج؛ لأن أهلها في بلادهم لا يقدرون لفقرهم وعجزهم، فإذا شرط على المستقدم فالوسيلة أن يرسلها مع الحملات التي فيها نساء موثوقات ويفصلون النساء عن الرجال، فأما إذا وجدت محرماً فليس لها أن تحج إلا مع محرم.
قوله: [فإن أيست منه استنابت] يعني: إذا أيست من وجود محرم فإنها تنيب من يحج عنها.
وهذا في الأزمنة القديمة التي تكون فيها مدة الحج شهرين كما ذكرنا، أما في هذه الأزمنة فلعل الأمر أخف.