قوله: (أو حجم أو احتجم) الحجامة فيها خلاف طويل، فأكثر الأئمة لا يرون الفطر بالحجامة، وذهب الإمام أحمد إلى أنه يفطر بها؛ وذلك لكثرة الأحاديث التي وردت فيها، فقد ذكر بعض العلماء أن حديث: (أفطر الحاجم والمحجوم) رواه أحد عشر صحابياً، وبعضهم جمع رواة حديث: (أفطر الحاجم والمحجوم) إلى سبعة عشر صحابياً، وتلك الأحاديث لا تخلو من الضعف، وذكر الإمام أحمد منها عدة أحاديث صحيحة كحديث شداد وحديث ثوبان، وأنها معتبرة وصحيحة، فالإمام أحمد ذهب إلى أنه يفطر بالحجامة: الحاجم والمحجوم عملاً بهذا الحديث، وذهب الأئمة الباقون إلى عدم الإفطار بالحجامة، وقالوا: لأنه ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم، واحتجم وهو محرم، هكذا في صحيح البخاري، وأكثر الروايات على أن اللفظ: (احتجم وهو محرم صائم) ، ولكن الإمام أحمد رحمه الله يقول: إن ذكر الصيام خطأ من بعض الرواة، فإن أصحاب ابن عباس الملازمين له لم يذكروا فيه الصيام، وإنما ذكروا فيه الإحرام.
وبكل حال إذا احتجم فالاحتياط أنه يفطر ويقضي، وكان كثير من الصحابة يؤخرون الحجامة إلى الليل، فإذا أراد أحدهم أن يحتجم أخر حجامته إلى الليل، وفي هذا دليل على اعتبارهم أن الحجامة من المفطرات.
والذين قالوا: إنها لا تفطر قالوا: إنما الفطر بما أدخله لا بما أخرجه، والدم إنما هو شيء يخرج من الإنسان،
وصلى الله عليه وسلم أن الفطر قد يكون أيضاً بما يخرج، كفطر الحائض بدم الحيض، مع أنه شيء خارج، ومع ذلك لا يصح صومها، وليس لها عذر إلا هذا الخارج، فكذلك أيضاً إخراج الدم بالحجامة، ويلحق بها أيضاً جميع أنواع إخراج الدم: كالفصد والشرط وما أشبهه.
وفي هذه الأزمنة يقام بإخراج الدم للتبرع، فإذا أخرج دماً كثيراً للتبرع لمريض أو نحوه ألحق بالحجامة، وكذلك إذا أخرج دماً كثيراً للتحليل، أما إذا كان يسيراً فلا يلحق بالحجامة، والذي يخرج بالتحليل عادة يكون شيئاً يسيراً يمكن أن يقدر بأنه أقل من فنجان الشاي، فإذا كان أقل من ذلك فإنه لا يعتبر ملحقاً بالحجامة.
وفطر الحاجم؛ لأنه كان يمص الدم، كانت المحجمة مثل القعب، ولها طرف دقيق، فيلصقها بالبشرة بعدما يجرحها جروحاً، فيخرج منها الدم لامتصاصه الهواء الذي في داخلها، ومع امتصاصه يخرج منه دم يختلط بريقه، فيكون ذلك سبباً في إفطاره، حيث إنه لابد أن يختلط بريقه ولو مجه، وأما فطر المحجوم فلإخراجه لهذا الدم.
وفي هذه الأزمنة توجد حجامة بدون امتصاص، يعني: كالإبر التي يستخرج بها الدم، أو آلات تمسك بدون أن يمصها، فلذلك نقول: إذا احتاج إنسان إلى حجامة لمرض أو نحوه فالحاجم إذا لم يمتص بمحجمه فلا قضاء عليه.
واشترطوا في هذه الأشياء كلها -يعني: في إدخال شيء إلى جوفه أو في ابتلاع النخامة، أو القيء أو الاستمناء أو المباشرة أو تكرير النظر أو الحجامة- أن يكون عامداً، فإذا كان مخطئاً فلا يفطر، هذا الشرط الأول.
الشرط الثاني: أن يكون مختاراً بخلاف ما إذا كان مكرهاً، بأن يدخل إلى جوفه قهراً عليه كالمريض المغمى عليه.
الشرط الثالث: لابد أن يكون ذاكراً لصومه، فإذا كان ناسياً فلا يفطر.