قوله: (وإذا قبض الدين زكاه لما مضى) .
هكذا ذكروا، أن الدين إذا قبضه زكاه لما مضى ولو أتلفته الزكاة، وقد اختلف في زكاة الدين، هل يزكى الدين أو لا زكاة فيه، أو فيه تفصيل؟ والناس في هذه الأزمنة يكثرون من الدين، فقال العلماء: إن كان الغريم الذي عنده دين قادراً على الوفاء موسراً غنياً فإنك تزكيه عن كل سنة، واعتبر دينك كالوديعة، ما دمت تقدر على أخذه متى ما أدرت، وأما إذا كان المدين موسراً ولكنه مماطل، أو معسراً فقيراً، فقيل: إنك تزكيه إذا قبضته عن السنين الماضية كما قاله صاحب المختصر، فلو كان الدين عشرة آلاف ومكث ثلاثين سنة ثم استرجعته فإنك على هذا القول تزكيه للسنة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة وهكذا حتى تتم الثلاثين سنة، فعن السنة الأولى تزكي عشرة آلاف، وعن السنة الثانية تزكي تسعة آلاف وسبعمائة وخمسين؛ لأنه قد نقص، وعن السنة الثالثة تزكي ما بقي، وهكذا، فإن لم يبق إلا أقل من النصاب فإنه لا يزكى.
والقول الثالث: أنه يزكى إذا قبض عن سنة واحدة عند أن يقبضه؛ وذلك لأنه يعتبر كأنه كسبه، وحصل عليه بعد أن أيس منه، فإذا قبضت هذه السنة العشرة الآلاف فأخرج زكاة سنة واحدة: مائتين وخمسين، وهذا هو الأقرب حتى لا يجحف بأصحاب الحقوق؛ لأنا لو قلنا له: زك عن ثلاثين أو أربعين سنة لما بقي له إلا أقل من النصاب، والنبي عليه السلام أخبر بأن الزكاة إنما تؤخذ من الأغنياء، ولأن هذا يجحف بالأموال، فالقول الوسط: أن الدين إذا بقي على صاحبه زمناً طويلاً اقتصر على إخراج زكاة سنة واحدة.