وشرط الفقهاء شرطاً خامساً وهو: السلامة من الدين الذي ينقص النصاب، واختلفوا هل الدين يمنع من الزكاة كلاً أو لا يمنعها أصلاً، أو فيه تفصيل؟ فأكثر الفقهاء على أنه يمنع؛ وذلك لأنه إذا كانت عليه ديون تستغرق ماله أصبح المال لغيره، فيصبح كأنه فقير، وعلى هذا فلا فرق بين جميع الأموال إذا كان الدين يستغرق الأموال، أو لا يبقي إلا أقل من النصاب فلا يصير غنياً، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) وهناك قول آخر: أن الدين لا يمنع، وأن الزكاة تؤخذ من كل الأموال، سواء على أصحابها دين أم لا؛ لأنهم مفرطون حيث لم يوفوا أهل الدين من هذه الأموال.
والقول الثالث: أنه لا يمنع من الأموال الظاهرة ويمنع من الخفية، والأموال الظاهرة مثل بهيمة الأنعام، والخارج من الأرض؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث من يخرص النخل على أهله، ولم يقل: هل عليكم دين؟ بل يخرصون النخل والزرع ونحو ذلك، وكذلك كان يرسل من يأخذ الصدقات من بهيمة الأنعام، ولم يكونوا يسألونهم: هل عليكم دين أم لا؟ وقالوا: لأن الأموال الظاهرة تتعلق بها نفوس الفقراء، حيث يرون هذه الأموال الظاهرة ويعتقدون أن لهم فيها حقاً، فإذا لم يأتهم منها شيء أساءوا الظن بأصحابها، وقالوا: لا يزكون، فيكون في ذلك إساءة ظن بأصحاب الأموال.
فعلى هذا يترجح أن الدين يمنع الزكاة في الأموال الخفية كالتجارة والنقود؛ لأن صاحبها هو الذي يحاسب نفسه، دون الأموال الظاهرة كالثمار والنخيل والأعناب والزروع وبهيمة الأنعام، والإبل والبقر والغنم، فهذه لا يمنع الدين الزكاة فيها.
وبكل حال فإن الفقهاء عندما اشترطوا ذلك نظروا إلى العلة، وهي: أن الزكاة شرعت للمواساة، فإذا كان المال مستحقاً لأصحاب الديون فكيف يواسي من مال مستحق عليه؟! وله وجه، ويمكن أن يقال لصاحب الحروث: إذا كان زرعك أو نخلك ليس لك بل عليك فيه ديون فإنك تعطي أصحاب الديون حقوقهم، فإن بقي شيء وإلا فلا حق عليك ولا زكاة عليك؛ لأنك ملحق بمن يستحق الزكاة وهم الفقراء.