بعد التكبيرة الأولى يقرأ الفاتحة بلا استفتاح، وإنما يستعيذ ويبسمل ويقرأ الفاتحة، واختلفوا هل يزيد عليها؟ روي في بعض الأحاديث أنه قرأ الفاتحة وسورة، وأنكر بعضهم ذكر السورة، فقد رواه البيهقي وقال: ذكر السورة ليس بمحفوظ، وناقشه بعض المتأخرين، وذكروا أنه محفوظ، وأنه مروي من طرق ثابتة، وبكل حال لم تذكر السورة في الروايات الصحيحة، فإن زادها فلا بأس.
وبعد التكبيرة الثانية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مثل الصلاة في التشهد: اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم، وإن شاء قال: على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وبعد التكبيرة الثالثة الدعاء للميت، ويسن أن يدعو بما ورد، وذكر المؤلف هذا الدعاء؛ لأنه مأثور ووارد، فيدعو بالدعاء العام والدعاء الخاص، أما الدعاء العام فقوله: (اللهم اغفر لحينا وميتنا) إلخ، والدعاء الخاص مثل قوله: (اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه) إلخ كما في حديث مالك بن عوف، والأدعية المأثورة الصحيحة مشتهرة، ويجوز الدعاء بغير ما ورد، فقد روى أبو داود قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) يعني: ادعوا له بدعاء كثير خالص؛ ليكون ذلك أقرب إلى الإجابة فإنه قد انقطع عمله فيحب أن يزوده إخوته بهذه الأدعية الواردة وما يلحق بها.
وروي أيضاً الحديث الذي فيه: (اللهم أنت ربه، وأنت خلقته، وأنت قبضت روحه، وأنت أعلم بسره وعلانيته، جئنا شفعاء إليك فاغفر له، اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه، اللهم إنه عبدك وابن عبدك، نزل بجوارك وأنت خير منزول به، ولا نعلم إلا خيراً، اللهم إنك غني عن عبادته، وهو فقير إلى رحمتك ومغفرتك) أو ما أشبه ذلك، وليس هناك تحديد لعموم هذا الحديث: (أخلصوا له الدعاء) ، فيكثر من الدعاء بما تيسر.
والدعاء للصغير وغير المكلف قد وردت فيه أحاديث منها: (اللهم اجعله ذخراً لوالديه وفرطاً، وأجراً وشفيعاً مجاباً، اللهم ثقل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم) الفرط في قوله: (وفرطاً) هو الذي يتقدم الوراد، فالقوم إذا وردوا على الماء أرسلوا واحداً يهيء لهم المورد، ويسمونه: فرطاً، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أنا فرطكم على الحوض) وسمي الطفل فرطاً؛ لأنه يتقدم أبويه ليهيئ لهما المدخل، يعني: دخول الجنة؛ ولذلك سمي فرطاً، والذخر: هو الشيء الذي يدخر للآخرة ونحوها، والشفيع: الذي يشفع في أبويه.
وقوله: (ثقفل به موازينهما) ورد في حديث أن رجلاً خف ميزانه، فجاءه أفراطه فثقلوا ميزانه.
والدعاء بكونه في كفالة إبراهيم لحديث سمرة الذي في صحيح البخاري في الرؤيا أنه قال: (ورأيت إبراهيم عليه السلام وإذا عنده خلق كثير من أولاد المسلمين بكفالته) يعني: أطفال المسلمين.
ثم يكبر الرابعة، وهل يدعو بعدها أم لا؟ ذكر بعضهم أنه يدعو بعدها، وورد في بعض الأحاديث أنه وقف وأطال حتى ظنوا أنه يكبر خامسة، ولا شك أن وقوفه لابد أن يكون فيه دعاء، وقد ذكر النووي في رياض الصالحين أنه يستحب أن يقول بعد الرابعة: (اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله) .
ثم بعد ذلك يسلم، والصحيح أنها تكفي تسليمة واحدة، وإن سلم اثنتين فلا حرج، والمعتاد أن التسليمة الواحدة يحصل بها الخروج.
والتكبيرات في صلاة الجنازة مثل تكبيرات صلاة العيد، فيرفع يديه مع كل تكبيرة، وقد روي عن عبد الله بن عمر أنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة لصلاة الجنائز، ولا شك أن ذلك دليل على أنه من السنة.