بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قرأنا في الليلة الماضية ما يتعلق بالجمعة، ومن تلزمه الجمعة، وشروطه، وحكم من صلى ظهراً ممن تلزمه الجمعة، وسفر من تلزمه قبل الزوال أو بعده، وشروط صحة الجمعة، والخلاف في العدد المشترط لحضورها، والراجح أن اشتراط الأربعين ليس بلازم، وأنها تصح باثني عشر، وتدرك الجمعة بإدراك ركعة كاملة، واشتراط الخطبتين، وما يشترط فيهما، وما يسن، وعدد ركعات الجمعة، وما يقرأ فيها، وتعدد الجمعة في البلد، والسنة بعدها وقبلها، وما يستحب في الجمعة من القراءة، وما يكره فيها، وأنه يحرم تخطي الرقاب، وأن يقيم غيره، وأن يتكلم حال الخطبة.
كذلك صلاة العيد: ذكرنا حكمها ووقتها، وحكم ما إذا لم يعلموا بالعيد إلا بعد خروج الوقت، وشروط وجوبها، وما يشترط لصحتها من العدد والاستيطان، وحكم من فاتته الصلاة أو بعضها، وأين تؤدى؟ وما هي التي تؤخر من صلاة العيدين والتي تقدم؟ وما هي التي يؤكل قبلها والتي لا يؤكل قبلها؟ والتكبيرات الزوائد في الصلاة، وما يكون بين كل تكبيرتين، وما يقرأ في صلاة العيد، وخطبة العيد ومقدارها، والتكبير المطلق والتكبير المقيد.
وذكرنا صلاة الكسوف وسببها وتطويلها، وكون كل ركعة أطول من التي قبلها، وكل ركن كذلك.
وذكرنا صلاة الاستسقاء، وسببها، وصفتها، وأين تؤدى؟ وماذا يتقدمها من المواعظ والأعمال الصالحة؟ وصفة من يخرج إليها، ومن يستحب خروجهم ومن لا يستحب، وما يستحب في الخطبة، وأنه يدعو فيها بما ورد، وذكر بعض الأدعية.
وبهذا نعلم أن الشريعة الإسلامية جاءت بكل المصالح، فشرعية صلاة الاستسقاء لأجل إزالة الضرر عن المسلم، فقد يعم المسلمين ضرر كقحط أو جدب أو نحو ذلك، فإذا كان القحط في جهة من البلاد فإن الجميع يؤدون صلاة الاستسقاء، ولو كان بعضهم ليس عنده قحط؛ وذلك لأن مصيبتهم واحدة؛ ولذلك يشاهد أنها تكثر الأمطار في جهة وتخف في جهة، فيستغيثون ويستسقون ربهم كلهم، وهذا يحقق قوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) .
قال رحمه الله تعالى: [كتاب الجنائز: ترك الدواء أفضل، وسُن استعداد للموت، وإكثار من ذكره، وعيادة مسلم غير مبتدع، وتذكيره التوبة والوصية، فإذا نزل به سن تعاهد بلِّ حلقه بماء أو شراب، وتندية شفتيه، وتلقينه (لا إله إلا الله) مرة، ولا يزاد على ثلاث، إلا أن يتكلم فيعاد برفق، وقراءة الفاتحة ويس عنده، وتوجيهه إلى القبلة، وإذا مات تغميض عينيه، وشد لحييه، وتليين مفاصله، وخلع ثيابه، وستره بثوب، ووضع حديدة أو نحوها على بطنه، وجعله على سرير، وغسله متوجهاً منحدراً نحو رجليه، وإسراع في تجهيزه، ويجب في نحو تفريق وصيته وقضاء دينه.
فصل: وإذا أخذ في غسله ستر عورته، وسن ستر كله عن العيون، وكره حضور غير معين، ثم نوى وسمى، وهما كفي غسل حيّ، ثم يرفع رأس غير حامل إلى قرب جلوس، ويعصر بطنه برفق، ويكثر الماء حينئذٍ، ثم يلف على يده خرقة فينجيه بها، وحرم مس عورة من له سبع.
ثم يدخل أصبعيه وعليها خرقة مبلولة في فمه، فيمسح أسنانه وفي منخريه فينظفهما بلا إدخال ماء، ثم يوضئه، ويغسل رأسه ولحيته برغوة السدر، وبدنه بثُفله، ثم يفيض عليه الماء.
وسن تثليث، وتيامن، وإمرار يده كل مرة على بطنه، فإن لم ينق زاد حتى ينقى.
وكره اقتصار على مرة، وماء حار وخلال وأشنان بلا حاجة، وتسريح شعره.
وسن كافور وسدر في الأخيرة، وخضاب شعر، وقص شارب، وتقليم أظفار إن طالا، وتنشيف.
ويجنب محرم مات ما يجنب في حياته.
وسقط لأربعة أشهر كمولود حياً، وإذا تعذر غسل ميت يمم.
وسن تكفين رجل في ثلاث لفائف بيض بعد تبخيرها، ويجعل الحنوط فيما بينها، ومنه بقطن بين إلييه، والباقي على منافذ وجهه ومواضع سجوده، ثم يرد طرف العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن، ثم الأيمن على الأيسر، ثم الثانية والثالثة كذلك، ويجعل أكثر الفاضل عند رأسه.
وسن لامرأة خمسة أثواب: إزار وخمار وقميص ولفافتان، ولصغيرة: قميص ولفافتان، والواجب ثوب يستر جميع الميت.
فصل: وتسقط الصلاة عليه بمكلف، وتسن جماعة، وقيام إمام ومنفرد عند صدر رجل ووسط امرأة، ثم يكبر أربعاً، يقرأ بعد الأولى والتعوذ الفاتحة بلا استفتاح، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية كفي تشهد، ويدعو بعد الثالثة، والأفضل بشيء مما ورد، ومنه: (اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، إنك تعلم منقلبنا ومثوانا، وأنت على كل شيء قدير، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنة، ومن توفيته منا فتوفه عليهما، اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، وأوسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، وعذاب النار، وافسح له في قبره، ونور له فيه) .
وإن كان صغيرًا أو مجنونًا قال: اللهم اجعله ذخراً لوالديه، وفرطاً وأجراً وشفيعاً مجاباً، اللهم ثقل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم، ويقف بعد الرابعة قليلاً، ويسلم ويرفع يديه مع كل تكبيرة.
وسن تربيعٌ في حملها، وإسراعٌ، وكون ماشٍ أمامها، وراكبٍ لحاجةٍ خلفها، وقرب منها، وكون قبرٍ لحداً، وقول مدخل: (باسم الله، وعلى ملة رسول الله) ، ولحده على شقه الأيمن، ويجب استقباله القبلة، وكره بلا حاجة جلوس تابعها قبل وضعها، وتجصيص قبر، وبناءٌ وكتابةٌ، ومشيٌ وجلوسٌ عليه، وإدخاله شيئاً مسته النار، وتبسمٌ وحديثٌ بأمر الدنيا عنده.
وحرم دفن اثنين فأكثر في قبرٍ إلا لضرورةٍ، وأي قربةٍ فعلت وجعل ثوابها لمسلمٍ حي أو ميتٍ نفعه.
وسن لرجال زيارة قبر مسلم، والقراءة عنده، وما يخفف عنه، ولو بجعل جريدة رطبة في القبر، وقول زائر ومار به: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم) .
وتعزية المصاب بالميت سنة، ويجوز البكاء عليه، وحرم ندب ونياحة، وشق ثوب ولطم خد ونحوه] .
ألحقوا كتاب الجنائز بالصلاة؛ لأن أهم ما يعمل مع الميت الصلاة عليه، واسمها صلاة ولو لم يكن فيها ركوع وسجود؛ لأن فيها قياماً، وقراءة، وتكبيرات، وتحريماً، وتسليماً، فأشبهت الصلاة، ولأنه يشترط لها الطهارة، واستقبال القبلة، وستر العورة، ونحو ذلك، فأصبحت من جنس الصلاة.
ولما كان كذلك ذكروا كتاب الجنائز بعد كتاب الصلاة، وذكروا ما يتعلق بالجنائز، وإن لم يكن من جنس الصلاة.