إذا أراد الإمام أن يخرج لها وعظ الناس وأمرهم بالتوبة وترك المظالم والتخلي منها، وترك التشاحن، والصيام والصدقة، يعني: يكون هذا التذكير لهم في المساجد أو في الخطب قبل خروجهم، ويعدهم يوماً يخرجون فيه، ويسن أن يكون عاماً للمنطقة أو نحوها، بأن يستسقوا كلهم في يوم واحد، فيبين لهم أن التوبة سبب لإجابة الدعوة، وأن المظالم سبب للعقوبات، وأن التشاحن والتقاطع فيما بينهم سبب لمحق البركات، ويبين لهم أن الصدقة والصيام من أفضل العبادات التي يجيب الله دعوة صاحبها، ويذكرهم ويحثهم على الأعمال الصالحة.
يخرج كل واحد منهم وبالأخص الإمام متواضعاً متخشعاً متذللاً متضرعاً، يعني: أنه يتصف بصفة المسكنة، يخرج وهو منكسر القلب، في الحديث: (أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي) هذا الانكسار وهذا التواضع وهذا التذلل وهذا التعبد من أسباب إجابة الدعاء، وهكذا يخرج كل واحد من المصلين، ويكون متطهراً نظيف البدن، إلا أنه لا يتطيب؛ لأن استعمال الطيب يحمل صاحبه على الفخر وعلى الخيلاء ونحو ذلك، فلا يناسب صفة المنكسرة قلوبهم.
على الإمام أن يخرج بأهل الدين والصلاح والشيوخ؛ لأنهم أقرب إلى إجابة الدعوة، ولا يخرج الفسقة والعصاة والعتاة وأهل الذنوب وأهل قلة العبادات، بل يختار الذين يخرجون من أهل الدين وأهل التدين وأهل الالتزام، وأهل الصلاح والإصلاح شيوخاً أو شباباً، ويخرج بمميزي الصبيان؛ وذلك لأنهم من أسباب إجابة الدعاء، يذكر في الحديث: (لولا شيوخ ركع وأطفال رضع وبهائم رتع، لصب عليكم العذاب صباً) يعني: أن الله تعالى يرفع العذاب بهؤلاء الضعفاء كبار السن، وصغار السن الذين هم أطفال، وأهل الصلاح الذين يديمون العبادة.
وأن يصلي بهم ركعتين كصلاة العيد ثم يخطب، ذكر بعض العلماء أنه يخطب قبل الصلاة، ولكن المشهور أنه يخطب بعدها لكن خطبة واحدة، اختلف هل يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد؟ الأكثرون على أنه يبدؤها بالتكبير، وذهب بعض المحققين إلى أنه يبدؤها بالحمد.
وأن يكثر فيها من الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر بالاستغفار، مثل قوله: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً} [نوح:10-11] ومثل قوله: {وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود:3] ونحو ذلك.
يرفع يديه عند الدعاء يجعل ظهورهما نحو السماء؛ لأن من شدة الرفع تكون ظهورهما إلى السماء، يعني: يبالغ في الرفع، وما كان يبالغ في الرفع إلا في صلاة الاستسقاء، ويدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء قوله: (اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً) إلى آخره فيقول: (مجلجلاً سحاً طبقاً دائماً، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا بلاء ولا هدم ولا غرق، اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء والشدة والجهد ما لا نشكوه إلا إليك، اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء، وأنزل علينا من بركاتك، اللهم ادفع عنا الجوع والجهد والبلاء، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً، اللهم إنك أمرتنا بالدعاء ووعدتنا إجابتك، فقد دعوناك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدنا) هذه الأدعية ذكرها الشارح وذكرها أيضاً غيره ممن شرحوا هذه الأذكار.
إذا كثر المطر وخيف الهدم والضرر يدعو بقوله: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر، ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به) الظراب: هي الروابي والمرتفعات الصغيرة، والآكام: هي ما غلظ من الأرض ولم يبلغ أن يكون جبلاً، إذا ارتفع عما حوله كالتلال وغيرها، وبطون الأودية: هي مجاري السيول، ومنابت الشجر: أصولها.
يسن أن يكمل الآية، ويسن لمن أغيث بمطر أن يقول: (مطرنا بفضل الله ورحمته) ويحرم أن يقول: (مطرنا بنوء كذا وكذا) كما كان أهل الجاهلية يقولونه.
من رأى سحاباً أو هبت ريح شديدة فإنه يقول: (اللهم إنا نسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به) إذا سمع الرعد يقول: (سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته) ، إذا رأى كوكباً انقض يقول: (ما شاء الله لا قوة إلا بالله) ، إذا سمع نهيق الحمار أو نباح الكلب يقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) ، إذا سمع صياح الديك يقول: (أسأل الله من فضله) .
تكلموا على ما يسمى بقوس قزح، وهو إشارة ممتدة في الأفق لونه أخضر، وقالوا: إنه حماية لأهل الأرض من الغرق، والصحيح أنه من آيات الله تعالى، أما الذين يقولون: إنه دليل الفتنة أو الدماء فإن ذلك ليس له أصل.
الآن انتهينا من كتاب الصلاة وبقي علينا كتاب الجنائز والزكاة والصوم والحج والجهاد لعلنا نكملها، والله أعلم.