انتقل المؤلف بعد ذلك إلى المسح على الخفين، والمسح على الخفين رخصة لهذه الأمة، وهي من الرخص التي فيها تيسير للعبادة، والخف هو: ما يصنع من جلود الإبل أو البقر ونحوها، ويجعل على قدر القدم، ويجعل له موطئ كالنعل، ويجعل له غطاء تربط فيه وتخرج في أصل النعل، ثم بعد ذلك يجعل له مدخل تدخل معه القدم، ثم يعقد على الساق، ويلبس للتدفئة، وللوقاية من البرد، فالمسح عليه من الرخص، والله تعالى يحب أن تؤتى رخصه.
وأنكر ذلك الرافضة ونحوهم من المبتدعة، ولأجل ذلك يذكر العلماء مسائل الخفين في كتب العقيدة؛ وذلك لأن المخالفين فيه هم مخالفون في العقائد.
قوله: (ونحوه) كما يوجد في هذه الأزمنة ألبسة على الأقدام منها ما يكون تحت الكعبين، ومنها ما يكون فوق الكعبين، فالذي يكون فوق الكعبين كالذي يسمى (البسطار) أو نحوه، وينظم على الساق يلحق بذلك، ويمسح عليه، والذي دون الكعبين لا يُمسح عليه؛ وذلك لأنه لا يستر القدم.
ومما ورد المسح عليه الجورب، وهي: عبارة عن منسوج من صوف أو نحوه يستر القدم، وينظم على الساق، فيمسح عليها إن كانت تكفي عن الأحذية، يعني: تنسج من الصوف أو من الشعر، وتكون غليظة تلبس على القدم، ويجعل تحتها رقعة من الجلد تمكن مواصلة المشي فيها، هذه هي الجوارب التي يجوز المسح عليها، ولابد أن تكون قوية النسج بحيث إنه لا يخرقها الماء.
وجاءت في هذه الأزمنة ما يسمى بالشراب، وسميت جوارب، وترخص الناس بالمسح عليها، وتوسعوا في ذلك، ونحن نقول: إذا كانت قوية بحيث إنه لا يخرقها الماء أو لا يخرقها إلا بعد صب كثير فإنه يمسح عليها، فأما إذا كانت شفافة أو رقيقة فلا يمسح عليها؛ وذلك لأنها لا تحصل بها التدفئة المطلوبة، ولأن الجوارب التي كانت في عهد الصحابة كانوا يجعلون تحتها رقعة من جلد ثم يمشون بها وحدها، وكانت تستر القدم كله، إلى مستدق الساق.