لاحظ علينا بعض الإخوة أننا ذكرنا أن الحنفية لا يرون أن الطمأنينة ركن، ونقل من كلام الكاساني ومن كلام ابن عابدين وهما من علماء الحنفية ما يأتي: فصل في بيان الواجبات الأصلية في الصلاة، ثم يقول: ومنها الطمأنينة، والقرار في الركوع والسجود، يعني: أنها من الواجبات وليست من الفروض.
الحنفية يفرقون بين الفرض والواجب، وكذلك أيضاً غيرهم، كالحنابلة فإنهم يفرقون بين الركن والواجب، فالركن عندهم فرض ولا تتم الصلاة إلا به، والواجب يجبر بسجود السهو، فهذا الكاساني عدّ الطمأنينة والقرار في الركوع والسجود من الواجبات، ثم أجاب عن حديث المسيء صلاته لأنه وارد عليهم، يقول: أما حديث الأعرابي فهو من الآحاد فلا يصلح ناسخاً للكتاب، ولكن يصلح مكملاً، فيحمل أمره بالاعتدال على الوجوب، يعني أن قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: (ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم ارفع حتى تعتدل جالساً) يحمل على الوجوب ويحمل نفيه الصلاة على نفي الكمال، أي في قوله: (فإنك لم تصل) ، يعني أن الصلاة مجزئة ولكن فيها نقص.
وتمكن النقص الفاحش الذي يوجب عدمها من وجه، وأمره بالإعادة على الوجوب؛ جبراً للنقصان أو على الزجر عن المعاودة إلى مثله.
بكل حال هذا دليل على أنهم ما عملوا بحديث المسيء صلاته وجعلوه من الآحاد، فلا يصلح ناسخاً للكتاب، وجعلوه مكملاً فيحمل الأمر بالاعتدال على الوجوب.
نحن ما قلنا: إن الحنفية يكرهون الطمأنينة، ولا أنهم يحرمونها، ولكنهم لا يرونها ركناً، أما غيرهم فإنهم يقولون إنها ركن، وإن من صلى بلا طمأنينة فإنها لا تصح صلاته؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (فارجع فصل فإنك لم تصل) كلمة: (لم تصل) دليل على الإبطال، لا على نفي الكمال كما يقوله الكاساني.
وبكل حال لعل هذا الحديث ما بلغ أبا حنيفة رحمه الله، وإلا فـ أبو حنيفة كان ممن يطمئن في صلاته ويخشع فيها، بل كان يقوم الليل أو أغلب الليل، وليس عليه نقصان ولا عليه طعن.
فالحاصل أنه يقول: الطمأنينة في الركوع واجبة حتى لو تركها ساهياً يلزمه سجود السهو، الآخرون يقولون: إنها ركن والأركان لا تجبر بسجود السهو.
وأما الوتر فيرون أنه واجب، والواجب عندهم أقل رتبة من الفرض، فالواجب ما ثبت بدليل ظني، والركن ما ثبت بدليل قطعي، وأدلتهم مذكورة في كتبهم ولكلٍ اجتهاده.
ذكرنا وجوب صلاة الجماعة، أي: الاجتماع على الصلاة في المساجد على الرجال الأحرار القادرين، وعرفنا بأي شيء تدرك الجماعة، وبأي شيء تدرك الركعة؟ ومتى تجزئ الركعة تكبيرة واحدة، وما يتحمله الإمام عن المأموم وهي ثمانية أشياء، وحكم قراءة من خلف الإمام، وأنه يستحب أن يقرأ في سكتاته وفي السرية، وحكم التخفيف الذي استحبوه وأنه ليس هو النقر.
وكذلك ذكرنا أنه يقدم في الإمامة الأقرأ الأفقه، وحكم الصلاة خلف الفاسق ومتى تصح، وإمامة الأمي أو من يلحن لحناً يحيل المعنى، أو صاحب السلس أو العاجز عن الركوع والسجود أو القعود، أو العاجز عن القيام، ومتى يصلي المأمومون خلف الإمام جلوساً، وحكم إمامة المميز، والمرأة، والمحدث النجس، واللحان، والفأفاء، وأين يقف المأمومون من الإمام، وحكم صلاة المنفرد خلف الصف رجلاً كان أو امرأة، ومن صلى عن يسار الإمام مع خلو يمينه، ومتى يصح اقتداء المأمومين بالإمام، والفرق بين ما إذا كانوا خارج المسجد أو داخل المسجد، ومتى يشترط رؤية الإمام أو سماع صوته، وكذلك انصراف الإمام بعد السلام مباشرة، والصف بين السواري، وحضور المسجد بشيء فيه رائحة كريهة، ومن يعذر بترك الجمعة والجماعة، وصلاة المريض كيف يصلي قائماً ثم قاعداً، ومتى يصلي مستلقياً، وكيف يومئ بالركوع والسجود، وذكر بعض المحققين أنه تسقط عنه الصلاة إذا وصل إلى حالة لا يستطيع فيها الحركة إلا بطرفه؛ وذلك لعجزه، والجمهور على أنها لا تسقط ما دام العقل معه.
وكذلك قصر المسافر للرباعية وأن الصحيح أن السفر يقدر بالزمان لا بالمسافة، وتقدير الفقهاء بالزمان حيث قدروه بمسيرة يومين قاصدين، والذين قدروه بالمساحة؛ لأن تلك المساحة كانت لا تقطع إلا في يومين قاصدين، وحكم من نوى الإقامة إقامة مطلقة، أو عزم على إقامة أكثر من أربعة أيام، أو ائتم بمقيم أن الجميع يتمون، وأما إذا حبس ظلماً ولم ينو إقامة فإنه يقصر، وحكم الجمع بين الظهرين والعشاءين، وكذلك جمع المسافر والمريض، وحكم الجمع في المطر، وكذلك للريح الشديدة في الليلة الباردة، وهل الأفضل أن يقدم أو يؤخر، وحكم الجمع في البيوت بلا ضرورة، ومتى يبطل الجمع بين الصلاتين بالفاصل بينهما.