لما ذكر المؤلف القراءة قال: (يسن أن يقرأ في سكتات الإمام وفي السرية) يعني: إذا كانت الصلاة سرية يتأكد أن يقرأ المأموم فيها كالظهر والعصر والأخيرة من المغرب والأخيرتين من العشاء، فهذه كلها سرية، ويتأكد أن يقرأ المأموم فيها؛ لأنه ليس في الصلاة سكوت، فإذا كنت لست منصتاً لقراءة الإمام فكيف تسكت ولا تقرأ؟! وقد ذكرنا أن البخاري وغيره يلزمون أن يقرأ المأموم الفاتحة في الجهرية.
هل للإمام سكتات في الجهرية؟ قد ورد في حديث سمرة قال: (حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم سكتتين: سكتة إذا استفتح الصلاة، وسكتة إذا فرغ من القراءة كلها) ، وفي رواية: (وإذا قال: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] ) هكذا في سنن الترمذي.
وعلى هذا يكون عدها ثلاث سكتات: سكتة قبل الفاتحة، وسكتة بعد {وَلا الضَّالِّينَ} ، وسكتة بعد القراءة كلها وقبل الركوع، لكنه قال: (حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم سكتتين) ، وسئل عن ذلك عمران بن حصين فأقره، وشهد أنه صادق في هذه السكتتين.
والسكتة التي بعد الفاتحة قد استحبها بعضهم وقالوا: يتأكد على الإمام أن يسكت سكتة بعدها يمكن المأمومين من قراءة الفاتحة؛ وذلك لأن هناك من يوجب قراءتها، وقد يستدلون على ذلك بقول أبي هريرة: (اقرأ بها في نفسك يا فارسي) ، فيدل على أنه يقرأ في نفسه ولو جهر الإمام، ولكن قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كبر الإمام فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا) وفسر الإمام أحمد قول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} [الأعراف:204] قال: أجمعوا على أنها في الصلاة، يعني: أن الوجوب إنما يكون في الصلاة، أي: فإذا قرئ القرآن في الصلاة فأنصتوا، ولا يجتمع قراءة مع إنصات، وقد يقال: يستثنى من ذلك قراءة الفاتحة، فيقرأها بسرعة خروجاً من خلاف وجوبها، وقد يقال أيضاً: إذا قرأ نصفها في سكتة الإمام، ثم ابتدأ الإمام السورة كمّلها بسرعة، وهذا هو الأقرب.
من لم يسمع الإمام إما أن يكون بعيداً، وإما أن يكون أطرش وهو الأصم، فإذا كان لا يسمع الإمام لبعد جاز له أن يقرأ، وإذا كان لا يسمعه لطرش فلا يقرأ؛ وذلك لأنه يشوش على من حوله إذا قرأ، فيسمعه من بجنبه من هنا ومن هنا فيشوش عليهم.