يشترط في الشاهد: إسلام وبلوغ وعقل ونطق، لابد من هذه الشروط.
الشرط الأول: الإسلام: لقوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ} [البقرة:282] والكافر لا يرضى، فلا تقبل شهادته.
الشرط الثاني: البلوغ؛ لأن الصغير ليس له ما يحجزه عن الكذب.
الشرط الثالث: العقل، فاقد العقل لا معرفة له وهو المجنون.
الشرط الرابع: النطق، أي: الكلام حتى يؤدي ما يشهد به؛ لأنه إذا كان أخرس لم يعرف ما شهد به، لكن تقبل من أخرس بخطه إذا كان يعرف الخط، فبعض فاقدي الكلام يكتبون الحروف كتابة واضحة، ففي هذه الحال إذا أدى الشهادة بخطه قبلت، وأما الإشارة فليس كل واحد يفهمها.
وإذا كان مجنوناً ولكنه يصرع أحياناً، فإذا أدى شهادته في حالة إفاقته قبلت، وإذا كان يصرع دائماً فأدى الشهادة وهو مصروع فلا تقبل منه.
الشرط الخامس: العدالة، فلابد من العدالة، وضدها الفسوق، والعدل هو الذي أدى حقوق الله تعالى وحقوق العباد، وتجنب القوادح في دينه وفي عقله وفي معاملاته ونحو ذلك، فيشترط للعدالة شيئان: الأول: الصلاح في الدين، وهو أداء الفرائض بنوافلها، واجتناب المحارم، فلا يأتي كبيرة، ولا يدمن على صغيرة، وذكروا أنه إذا كان لا يحافظ على الرواتب فذلك قدح فيه، فمثلاً: إذا قال صاحب الحق: إنه يصلي، فقال المشهود عليه: نعم، ولكنه لا يصلي الرواتب، لا الراتبة التي قبل الظهر، ولا التي بعدها، ولا التي بعد المغرب، ولا راتبة العشاء، ولا قبل الفجر، وكذلك لا يحافظ على الأذكار، فيخرج ساعة ما يسلم ولا يأتي بالأذكار بعد الصلوات، ولا يتقدم إلى المساجد، وإنما يأتي إذا أذن؛ فهذا لا تقبل شهادته؛ وذلك لأن فعله هذا يدل على خفة في دينه، وخفيف الدين قد تخف عليه الشهادة، فيشهد وهو غير متثبت.
والفرائض يدخل فيها الزكاة والصيام والحج والدعوة إلى الله، والنصيحة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، فإذا عثر على أنه يفرط في شيء من هذا فإنه يقدح فيه، فإذا قال المعترض: إن هذا قاطع رحم.
لم تقبل شهادته، إنه عاق لأبويه، إنه هجر إخوته؛ فلا تقبل شهادته، وإذا قال: إنه غشاش في معاملاته، إنه يتعامل بالربا، إنه يأخذ الرشوة.
والوقوع في أي من الكبائر أو الإصرار على الصغائر، ترد به شهادته، فإذا قال: إنه يحلق لحيته، فقال: حلق اللحية من الصغائر، فنقول: الإصرار عليها من الكبائر، فهذا أصر على حلق اللحية فلا تقبل شهادته، وإذا قالوا: إنه يسبل ثيابه، فالإسبال قد يقال: إنه صغيرة، ولكن الإدمان عليه كبيرة فلا تقبل شهادته، وإذا قال: إنه يشرب الدخان فلا تقبل شهادته، أو يشرب الخمر أو يتعاطى المخدرات، أو يسمع الغناء، أو ينظر إلى الصور الفاتنة، فضلاً عن كونه يزني أو يفعل فاحشة اللواط أو متهم بذلك، أو يلاحق النساء المتبرجات، ويغازل، ويعاكس، وما أشبه ذلك؛ فهذه كلها من الكبائر، فلا تقبل شهادة من يفعل ذلك.
فالكبائر التي أوصلها الذهبي إلى سبعين كبيرة في كتاب الكبائر، إذا أصر على واحدة منها أو فعلها اعتبر قادحاً في شهادته.
الشيء الثاني: استعمال المروءة: أن يفعل ما يجمله ويزينه، ويترك ما يدنسه ويشينه، هكذا ذكروا، فالأشياء التي تجمله يحافظ عليها، من اللباس الحسن، والكلام الحسن، وكذلك صحبته للأخيار، ومجالسته لهم، فإذا كان جلساؤه أهل الفساد لم تقبل شهادته، وهكذا أيضاً إذا كان بذيء اللسان، بأن كان يسب، ويشتم، ويقبح، ويلعن، ويغتاب، وينم، ويفشي الأسرار، ويتنكر لأهل الخير، ويتعاطى أشياء تقدح في عدالته، وتقدح في شرفه، فإنه لا تقبل شهادته، وعدوا من ذلك أشياء، فإذا كان الناس في البلد لا يمشون إلا وقد ستروا رءوسهم، وهو يمشي حاسر الرأس عد ذلك قادحاً في عدالته، أو كان يرفع ثوبه إذا مشى حتى يبدي شيئاً من فخذه، ولا يبالي بنظر الناس إلى فخذه أو إلى شيء من عورته عد ذلك قادحاً، وكذلك إذا كان يأكل في السوق والناس ينظرون إليه؛ عد ذلك قادحاً في عدالته، وإذا كان يضطجع أمام الجلوس الذي جلسوا أو يمد رجليه أمامهم عد ذلك قادحاً في عدالته، وأفعال المروءة كثيرة تجدونها في كتب الأخلاق، والمؤلف أجملها بقوله: يفعل ما يجمله ويزينه، ويترك ما يدنسه ويشينه.
ومثل له في الحاشية بالمتمسخر والرقاص والمضحك واللاعب بألعاب تخل بالمروءة، وملاعب القردة، وصاحب صنعة يكون فيها سخرية، ويوجد في الشروح أمثلة كثيرة للقوادح.