قال المصنف رحمه الله: [كتاب الشهادات: تحملها في حق الله فرض كفاية، وأداؤها فرض عين مع القدرة بلا ضرر، وحرم أخذ أجرة وجعل عليها لا أجرة مركوب لمتأذ بمشي، وأن يشهد إلا بما يعلمه برؤية أو سماع أو استفاضة عن عدد يقع به العلم فيما يتعذر علمه غالباً بغيرها كنسب وموت ونكاح وطلاق ووقف ومصرفه، واعتبر ذكر شروط مشهود به، ويجب إشهاد في نكاح ويسن في غيره.
وشرط في شاهد: إسلام وبلوغ وعقل ونطق، لكن تقبل من أخرس بخطه، وممن يفيق حال إفاقته، وعدالة ويعتبر لها شيئان: الأول: الصلاح في الدين، وهو أداء الفرائض برواتبها، واجتناب المحارم بألا يأتي كبيرة، ولا يدمن على صغيرة، الثاني: استعمال المروءة بفعل ما يزينه ويجمله وترك ما يدنسه ويشينه.
ولا تقبل شهادة بعض عمودي نسبه لبعض، ولا أحد الزوجين للآخر، ولا من يجر بها إلى نفسه نفعاً أو يدفع بها عنها ضرراً، ولا عدو على عدوه في غير نكاح، ومن سره مساءة أحد أو غمه فرحه فهو عدوه، ومن لا تقبل له تقبل عليه] .
قوله: (كتاب الشهادات) .
يعني: الشهود، ويعم ذلك تحمل الشهادة ويعم أداءها.
قال: (تحملها في حق الله فرض كفاية، وأداؤها فرض عين مع القدرة بلا ضرر) .
التحمل: أن يدعوك فيقول: اذهب اشهد معي على فلان أنه اعترف بأن عنده لي كذا وكذا هل تذهب معه؟ هذا فرض كفاية ولا يلزمك، ولك أن تقول: الشهود كثير، لك أن تشهد غيري، اذهب إلى فلان واذهب إلى فلان، فهم أقدر مني، وهم أفرغ مني أو نحو ذلك، هذا هو التحمل.
فإذا لم يجد ألزم من تعين عليه، فإذا لم يجدك إلا أنت فإن عليك أن تذهب معه حتى تحمل الشهادة، سواء كانت شهادة على بيع، أو على نكاح، أو على إثبات دين، أو على إقرار مدين، أو على إقرار لحق في ذمة، أو أي شيء مما يحتاج إلى الإشهاد.
أما أداء الشهادة فإنه فرض عين مع القدرة بلا ضرر، فإذا تحملت الشهادة، وشهدت على فلان وفلان أنهما اعترفا بأن عندهما ديناً، أو عندهما حقاً، أو أنهما باعا، أو وقفا، أو تنازلا بكذا، ثم احتيج إلى إثبات شهادتك عند القاضي ودعوك فهل تمتنع؟ لا تمتنع عن أداء الشهادة، وذلك فرض عين، قال الله تعالى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة:282] قال العلماء: إذا دعوا للتحمل فإن لهم أن يمتنعوا؛ لأن في الإمكان أن يجد غيرهم، وأما إذا دعوا للأداء عند الحاكم فلا يمتنعون، بل ولا يحل لهم الكتمان قال الله تعالى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة:283] .
فإذا كتم الشهادة وهو يعلم أنه يضيع حقاً فإنه آثم قلبه، ولكن مع ذلك إذا قال: أنا علي ضرر الآن، أمهلوني فإني الآن منشغل، أو أنا ناعس اتركوني أنام، أو جائع اتركوني أطعم، أو مرهق اتركوني أستريح، أو نحو ذلك فهل يلزمونه؟ لا يلزمونه؛ لأنه في هذه الحال عاجز وعليه ضرر، قال الله تعالى: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة:282] أي: لا تضروه، لا تضروا الكاتب وتتعبوه، ولا تضروا الشهيد وتتعبوه وترهقوه، بل ارفقوا به فإنه محسن، سيما إذا كانت الشهادة على شيء يمكن تداركه، ويمكن أن يؤجل يوماً أو أياماً، فلا يلزم أن يؤدى في حينه.