ذكر الفقهاء كتاب القاضي إلى القاضي، هل يقبل أم لا؟ إذا كتب القاضي الذي في نجران إلى القاضي الذي في عرعر، وبينهما مسافة طويلة: إنني قد حضر عندي فلان، وقد كتبت دعواه، وهو يدعي على فلان كذا وكذا، وحيث إنه مقيم عندكم فإن عليك أن تحضره، وأن تستفسره، وتسأله، فيقبله قاضي عرعر إذا كان في حق آدمي وينفذه، أو قاض في خارج المملكة.
وهكذا أيضاً إذا كتب القاضي إلى قاض آخر دعوىً حكم بها: إنني حكمت على فلان الموجود عندكم بكذا وكذا، فنفذوا الحكم، فينفذ في حقوق الآدميين ولا ينفذ في حقوق الله تعالى التي منها الرجم والجلد ونحوها.
وكانوا يشترطون في كتاب القاضي أن يُشهد عليه شاهدين، فيقرأه على شاهدين فيشهدان فيقول: إن هذا كتابي الذي وجهته إلى فلان، خذا هذا الكتاب واذهبا به إليه واقرآه عليه وقولا: إنا نشهد أن هذا كتاب قاضي نجران، كتبه ونحن حاضران وأشهدنا عليه، فشهدنا بما فيه، فلك أن تنقضه ولك أن تنفذه.
ولا يقبلونه إذا كان كتاباً عادياً، ولكن في هذه الأزمنة أصبحت الكتب مظرفة، وأصبحت محفوظة ومسجلة، وإذا كتبها القاضي فإنه يسجلها ويجعلها في ظرف، ويسلمها لناقل البريد، وناقل البريد يحفظها حتى يسلمها للقاضي الثاني، وإذا سلمها فالقاضي الثاني يفتح الظرف، ويجد فيه ختم ذلك القاضي وختم محكمته، ففي هذه الحال يجزم بأنه كتاب فلان، ولا حاجة إلى أن يقرأه الأول على شاهدين، والشاهدان يقرآنه على الثاني؛ لثقة الثاني بأنه كتابه.
وكذلك أيضاً وجد في هذه الأزمنة المكالمات، فإن القاضي قد يكلم القاضي ولو كان بعيداً، فيرفع السماعة ويقول: إنه ثبت عندي أن لفلان كذا وكذا، والشهود كذا، وفلان يقيم عندك، فعليك أن تنفذه أو عليك أن تحضره.
وأيضاً جاء هذا الذي يسمى بالفاكس، وصار في الإمكان إرسال ذلك الصك بواسطة هذا الفاكس في لحظات فيصل إلى القاضي الثاني ويقرأه كما هو، فينظر فيه، فإن شاء حكم، وإن شاء رده أو نقضه، فهذا حيث وجدت هذه الأجهزة ونحوها، أما إذا كان في بلدة ليس فيها الهاتف، أو ليس فيها الفاكس، أو ليس فيها البريد المنتظم، ففي هذه الحال نرى أنه يعمل بكتاب القاضي إلى القاضي بالشروط التي ذكرها الفقهاء.
يقبل كتاب القاضي إلى القاضي فيما حكم به الأول لينفذه الثاني، فيقول: حكمت على فلان بكذا، وفلان موجود عندكم، فخذوا الحق منه، والقاضي الثاني ينفذه، وكذلك المحافظ والأمير ينفذه، أما إذا قال: ثبت عندي ببينة كذا وكذا، فهذه البينة ثبتت عندي، والأمر إليك فاحكم بهذا الذي ثبت عندي، فهل يحكم به؟ يقولون: لا يحكم الثاني بما ثبت عند الأول إلا إذا كان بينهما مسافة قصر، وقد عرفنا أن مسافة القصر تختلف باختلاف الأزمنة، وأنه أيضاً قد وجدت المكالمات ووجدت المكاتبات وما أشبهها.