لما تكلموا على القضاء عرفوا أن القاضي قد يحتاج إلى بينة، والبينة هم الشهود الذين يتبين الحق بشهادتهم، فإذا عرف الحاكم هؤلاء الشهود فلا حاجة أن يطلب من يزكيهم؛ لأن معرفته يقينية، فعندئذ تكون شهادته أو تزكيته كافية، أما إذا جهل البينة فإنه يطلب من يزكيهم.
ولا يقبل في التزكية ولا في الجرح ونحوهما إلا رجلان، وإذا جاء رجلان فكل واحد منهما يزكي الاثنين، فإن قال أحدهما: أنا لا أزكي إلا واحداً، وقال الثاني: أنا لا أزكي إلا واحداً، لم يكتف بذلك، وإذا جاء شاهدان يزكيان كل واحد من الاثنين، يقول كل واحد منهما: أنا أعرف هذا وأزكيه، وأعرف هذا وأزكيه، وقال الثاني: أنا أعرفهما جميعاً وأزكيهما، هاهنا حصل أن كل واحد جاء اثنان ليزكياه.
أما إذا قال واحد: أنا أزكي هذا، وقال الثاني: أنا أزكي هذا، صار كل واحد، ما زكاه إلا واحد فلا بد حينئذ أن يطلب اثنين آخرين، أو واحداً يزكي الاثنين، فلو جاء بثلاثة وواحد قال: أنا أزكي واحداً، والآخر قال: أنا أزكي واحداً، والآخر قال: أنا أزكي الاثنين قبلت التزكية؛ لأن هذا الذي زكى الاثنين حصل بتزكيته تزكية الاثنين، وكل واحد من الاثنين زكى واحداً، فحصل بذلك أن كل واحد منهما زكاه اثنان.
وكذلك في الجرح، إذا جرحهما الخصم وقال: هؤلاء مطعون فيهما، فيقال: أثبت الطعن فلا بد أن يأتي بمن يطعن فيهما من المطاعن التي ذكروها في كتاب الشهادات وهي كثيرة كما سيأتي إن شاء الله، فلا بد أن كل واحد يجرحه اثنان، فيقول مثلاً: هذا لا يصلي مع الجماعة، أو هذا يسمع الأغاني، أو هذا يشرب الدخان أو الخمر، أو يتعاطى مخدرات فيكون ذلك طعناً فيه، فلا تقبل شهادته.