يقول: (إن حكم اثنان بينهما رجلاً يصلح للقضاء نفذ حكمه في كل ما ينفذ فيه حكم من ولاه إمام أو نائبه) .
اثنان بينهما خصومة ونزاع، وطال ذلك النزاع، وكل يدعي أن الصواب معه، فاتفقا على رجل وأتيا إليه وقالا: نرى فيك الأهلية، وقد رضينا حكمك، دعنا نعرض عليك قضيتنا، هذه دعواي كذا وكذا، والثاني يقول: وأنا دعواي كذا وكذا.
فإذا سمع دعوى كل واحد منهما قال: أنتما حكمتماني، أنت يا فلان عندك كذا لصاحبك فأعطه حقه، هل ينفذ؟ ينفذ لأنهما حكماه ورضيا بحكمه واقتنعا به وقالا: قد جعلناك حكماً بيننا، قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا} [النساء:35] يعني: إذا طال النزاع بين الزوجين فللقاضي أو لأهلهما أن يبعثوا حكمين، يختار هؤلاء حكماً، ويختار هؤلاء حكماً، ثم يقول الحكمان: ماذا عندك يازوج؟ ماذا عندك يازوجة؟ فإذا سمعا منهما عند ذلك يحكمان، فيقولان: الحكم لك يا فلان والحكم عليك يا فلان، مثلاً: عليك أن تقنعي بدون حقك، وعلى وليك أن يدفع كذا أو ما أشبه ذلك، فالله تعالى أباح أن يحكم حكمان في هذا الأمر.
وكذلك قال تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة:95] فأمر أن يحكم في الصيد حكمان.
اثنان بينهما خصومة، فاختارا رجلاً اسمه سعيد، فقالا: يا سعيد قد جعلناك حكماً بيننا؛ لأنك تصلح للقضاء، ولأنك من أهل المعرفة، ومن أهل العلم، احكم بيننا، فينفذ حكمه في كل شيء ينفذ فيه حكم من ولاه الإمام أو نائبه، يعني: في فصل الخصومات وفي قطع المنازعات.