الورع عن حقوق الناس

ومما يحمل على البغي قلة الورع، والورع: هو التوقف عن الشيء المشتبه، وقد كان السلف رحمهم الله يحملهم الورع والخوف على ترك الاعتداء وترك الشيء المشتبه، بل إذا كان هناك شيء مشتبه يخشون أن فيه حراماً أو أنه قريب من الحرام تركوه كله، وقد كتب الإمام أحمد رحمه الله رسالة صغيرة مطبوعة، إذا قرأتها تعرف ما كان عليه الإمام أحمد وغيره من أهل زمانه من شدة التورع عن أخذ ما ليس بحق له.

فإذا عرف الإنسان أن هذا حق مسلم، فعليه أن يتجنبه، ولا يأخذ ما لا يستحقه ظلماً، فإنه ولابد سينتقم منه وسيؤخذ منه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من يأتي يوم القيامة بأعمال كثيرة ويأتي وقد ظلم هذا، وأخذ مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيؤخذ لهذا من حسناته، ولهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته أخذ من سيئات المظلومين فطرحت عليه، ثم قذف في النار) .

لابد أن يؤخذ للمظلوم من الظالم حتى ولو دخل الجنة، وقد ورد في الحديث: (إنهم إذا نزلوا من الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض في مظالم كانت بينهم، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم بدخول الجنة) أي: لا يدخلون الجنة وبينهم أحقاد، وبينهم مظالم، وبينهم شحناء وعداوات، بل يدخلون الجنة بعدما تصفى قلوبهم، قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47] أي: ما كان بينهم في الدنيا من الأحقاد، لا يدخلون الجنة إلا وقد صفت منها قلوبهم، وسلموا من الظلم.

ولذلك نقول: إن على المسلم أن يتورع عن حق إخوانه، فإن الاعتداء عليهم حرام، وفي خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قال: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا) أي: محرم بعضكم على بعض أن يعتدي أحد على أحد، وفي حديث آخر قال: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه) ، ولكن هناك من لا يبالي في الاعتداء على حق أخيه، فيضربه بغير حق، أو يقتله ظلماً، أو ينتهبه، أو يختلس منه، أو يستولي على شيء من حقه فيأخذه ظلماً وعدواناً، وهذا بلا شك من الظلم، وإذا كان كذلك فلابد أن يؤديه في الدنيا، فإن لم يؤده طوعاً أداه كرهاً وذلك إذا حكم عليه الحاكم بأنه ظالم، وأن عنده من الحقوق لإخوانه كذا وكذا، فيحكم عليه بدفع تلك المظلمة وإعطائها لمستحقها كرهاً ولو بحبس أو بجلد حتى يؤدي الحقوق لمستحقيها؛ ولهذا نصب القضاة والحكام ونحوهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015