النذر المنعقد ستة أنواع: الأول: النذر المطلق الذي لم يعلق، كأن يقول: لله علي نذر إن فعلت كذا.
وليس له نية، فهذا كفارته كفارة يمين إن فعله، فلو قال: لله علي نذر إن ضربت فلاناً أو إن اغتبت فلاناً، فعليه كفارة يمين إن فعله، أو: لله علي نذر إن سافرت في هذا اليوم أو إن ركبت هذه السيارة، ولم يذكر مقدار النذر، فهذا نذر مطلق، فعليه كفارة يمين إذا فعله.
الثاني: نذر لجاج وغضب، وهو تعليقه بشرط يقصد المنع منه أو الحمل عليه، كأن يقول: إن كلمتك فعلي كذا، فيخير بين فعله وكفارة يمين، هذا نذر اللجاج والغضب، لأنه يصير بين اثنين عند الغضب والخصومات ورفع الأصوات، فيقول أحدهما: إن كلمتك فأنا يهودي، أو إن كلمتك أقتل ولدي أو أخرج من مالي، أو أخرج نصف مالي.
يكون هذا بسبب الغضب.
أو يعقد فعلاً كأن يقول مثلاً: إن لم أقتل شاتك فأنا ابن زنا، أو أنا لست بمسلم أو ما أشبه ذلك، يسمى هذا نذر اللجاج والغضب، ففيه الكفارة إلا إن فعله.
واختلف فيما إذا قصد فعلاً كبيراً كأن يقول مثلاً: إن لم أضرب ولد فلان فعلي صيام شهرين أو صيام سنة، ولم يقصد إلا أن يلزم نفسه، والصحيح أن عليه كفارة يمين إلا إذا وفى بنذره.
هذا نذر لجاج وغضب، يعلقه بشرط يقصد المنع منه أو الحمل عليه، فالمنع منه كأن يقول مثلاً: إن أكرمت فلاناً، أو إن أدخلته بيتي، أوإن زرته في بيته؛ فعلي أن أخرج من مالي أو أن أصوم سنة، أو أن أحج ماشياً، ويقصد بذلك منع نفسه، ولا يقصد التصدق بماله كله، ففي هذه الحال متى ما حنث فعليه كفارة يمين.
والحمل عليه كأن يقول: إن لم أضرب فلاناً أو لم أضرب ولده، أو إن لم أذبح بعيره أو أعقر فرسه فعلي صيام شهر أو شهرين أو أن أخرج من مالي، أو يقول: أنا لست ابن أبي أو ما أشبه ذلك، كل هذا فيه كفارة يمين.
القسم الثالث: النذر المباح، إذا قال: لله علي أن ألبس ثوباً من كذا أو نحو ذلك، فهذا مباح، وإن لم يفعله فعليه كفارة، ويخير بين فعله وبين الكفارة.
إذا قال مثلاً: لله علي ألا ألبس ثوباً إلا ثوباً جديداً، أو ألا ألبس ثوباً بأقل من مائة أو بأقل من مائتين، لله علي ألا ألبس حذاء إلا من خرازة فلان، أو إلا ما قيمته مائة أو مائتان، لله علي ألا آكل إلا لحم سمك من نوع كذا وكذا، أو ألا آكل إلا من لحم الدجاج الذي نوعه كذا وكذا، أو لله علي ألا آكل إلا خبزاً مرققاً وما أشبه ذلك، فهذا نذر مباح، إذا لم يفعله فعليه الكفارة، وإن فعله بر في نذره.
الرابع: النذر المكروه كالطلاق ونحوه، فالتكفير فيه أولى، فإذا قال: لله علي ألا أكلم فلاناً، الأولى له أن يكلمه ويكفر، وإذا قال: لله علي ألا أكرم فلاناً، فالأولى أن يكرمه ويكفر، فإن إكرامه خير، وكذلك لو قيل له: إن فلاناً اغتابك، فقال: لله علي أن أغتابه كما اغتابني، فعليه أن يكفر ولا يغتابه، وكذلك كل فعل فيه إسراف أو إفساد فلو قال: لله علي ألا ألبس ثوباً إلا بمائتين أو بخمسمائة، ففي هذا شيء من الإسراف وهو مكروه، أو أن يفعل شيئاً مكروهاً كغيبة أو نميمة فيترك ذلك ويكفر عن يمينه، أو كذلك: لله علي أن أطلق امرأتي في هذا الشهر، فعليه أن يكفر ولا يطلق.
الخامس: نذر المعصية، وفعله محرم، وعليه كفارة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا نذر في معصية الله، وكفارته كفارة يمين) فإذا نذر وقال: الله علي أن أشرب الخمر في هذا الشهر أو في هذا اليوم، أو أن أزني بفلانة، أو أن ألوط بفلان، هذا محرم، أو علي أن أشتري في هذا الأسبوع أشرطة الغناء أو أفلام الصور.
فلا يجوز له الوفاء، بل يجب عليه الكفارة.
السادس: نذر التبرر، يعني: نذر فعل فيه طاعة وبر، ولا شك أن البر مأمور به، قال صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) فكما أن نذر المعصية يحرم الوفاء به، فنذر الطاعة يجب الوفاء به، وقد مر في كتاب التوحيد باب: من الشرك النذر لغير الله، وسبب ذلك أن المشركين والقبوريين ينذرون للأموات وللسادة، ويرجون بالنذر لهم حصول خير، فيقول أحدهم: إن شفيت من هذا المرض فعلي أن أسرج قبر السيد الفلاني أسبوعاً أو يومين، فيجعل عليه سراجاً طوال الليل، أو يقول: إن ربحت في هذه التجارة فعلي أن أذبح شاة عند قبر السيد البدوي مثلاً، أو إن ولد لي ذكر فعلي أن أهريق على قبر السيد فلان زيتاً أو سمناً تكريماً للسيد، فهذا نذر معصية، والدليل على أنه نذر معصية ما جاء في هذا الحديث: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) ، وهذا تعظيم لهذا القبر ولهذا الميت، والتعظيم لا يصلح إلا لله، ففي هذه الحال يكفر عن نذره، ولا يفعل هذا الشيء الذي هو من الشرك.
وكذلك إذا نذر الاعتكاف عنده، فإذا قال: إن شفيت من هذا المرض أو شفي ابني، أو قدم غائبي أو ربحت تجارتي؛ فعلي أن أعتكف عند قبر فلان يومين أو ثلاثة أو أن أصلي عند قبره صلاتين أو ثلاث صلوات، أو أقرأ عند قبره جزءاً أو جزئين، فهذا يعتبر شركاً؛ لأنه تعظيم لهذا الميت، والميت لا يجوز تعظيمه التعظيم الذي لا يصلح إلا لله، والاعتكاف عبادة لله، فإذا نذر الإنسان أن يعتكف لله لزمه الوفاء؛ لأنه نذر طاعة، وقد ثبت في الصحيح عن عمر رضي الله عنه قال: (يا رسول الله! إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال: أوفِ بنذرك) ، فمن نذر نذر تبرر كصلاة وصيام واعتكاف لقصد التقرب مطلقاً أو معلقاً بشرط فإن عليه الوفاء بذلك.
المطلق: مثاله أن يقول: لله علي أن أصوم في هذا الشهر ثلاثة أيام، أو لله علي أن أصوم في هذه السنة من كل شهر ثلاثة أيام، أو لله علي أن أتصدق في هذا الشهر بمائة ريال أو في هذا الأسبوع بخمسين ريالاً، أو كل يوم من هذا الأسبوع بخمسة ريالات، أو لله علي أن أصلي في هذه الليلة عشر ركعات، هذا نذر عبادة مطلق، فيجب عليه أن يوفي به؛ لهذا الحديث.
أما إذا كان معلقاً بشرط فلا يلزمه الوفاء إلا إذا وجد الشرط، كأن يقول: لله عليَّ إن شفى الله مريضي أن أتصدق بمائة، أما إذا قال: فلله علي أن أذبح شاة عند القبر الفلاني، فلا يجوز الوفاء به وعليه كفارة يمين.
علق النذر على شفاء المريض: إن شفى الله مريضي، أو إن قدم غائبي، أو إن ربحت في تجارتي، أو إن سلمت من كيد فلان، فلله علي أن أصوم كذا، أو أن أتصدق بكذا، أو أعتكف كذا، أو أقرأ كذا أو ما أشبه ذلك، فإن كان النذر فيه شيء من الضرر فلا يوفي به، بسبب ذلك الضرر.
وقد جاء في قصة أبي إسرائيل: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه قائماً في الشمس فسأل عنه، فقالوا: إنه نذر ألا يقعد ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم، فقال للناس: مروه أن يتكلم، وأن يجلس، وأن يستظل، ويتم صومه) لأن هذا تعذيب للنفس، والاستظلال فيه راحة للنفس، وكونه يقف في الشمس ولا يقعد فيه تعذيب للنفس.
وكذلك أخت عقبة نذرت أن تحج من المدينة إلى مكة ماشية حافية على قدميها غير منتعلة، فكونها تمشي عشرة أيام على قدميها حافية فيه مشقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأخيها: (إن الله لا يفعل بتعذيب أختك نفسها شيئاً -يعني: أن الله غني عن تعذيبها نفسها- مرها أن تمشي وتركب) أي: تركب إذا تعبت، وتمشي إذا قدرت، ولو ركبت المسافة كلها ما كان عليها إلا كفارة يمين فالحاصل أن نذر التبرر كأن يقول: لله علي أن أصلي في هذه الليلة عشر ركعات، أو أن أصوم في هذا الشهر ثلاثة أيام، أو أن أعتكف في هذا الشهر ثلاثة أيام بقصد التقرب؛ فعليه الوفاء، أو يقول: إن شفى الله مريضي فلله علي أن أتصدق بكذا، أو إن ربحت تجارتي، أو إن نجح أولادي، أو إن قدم غائبي فلله علي أن أتصدق بكذا أو أن أصوم كذا، فإن هذا نذر طاعة.