لا تنعقد اليمين على أمرٍ ماض، وهو كاذب عالم بكذبه، وهي اليمين الغموس، وقد جاء في الحديث: (من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرئ مسلم -يعني: يأخذ بها ما لا يحل له - لقي الله وهو عليه غضبان) ، وفي حديث آخر قيل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: (وإن كان قضيباً من أراك) أي: عود سواك، فهذه هي اليمين الغموس، ومثلها أيضاً إذا حلف كاذباً وهو يعلم كذب نفسه، فهو يحلف أنه ما قتل فلاناً وهو الذي قتله، أو حلف أنه ما أخذ ماله وهو يعرف أنه أخذه، أو حلف أنه ما دخل بيته أو ما ركب سيارته أو ما أخذها أو ما رآها وهو كاذب في ذلك، فهذه هي اليمين الغموس.
لماذا سميت غموساً؟ لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار، وفي هذا الحديث: (لقي الله وهو عليه غضبان) ، أما لو حلف وهو يظن صدق نفسه فتبين بخلافه فلا كفارة، فإذا حلف: إن هذا كتابي، ويظن صدق نفسه لأنه يشبه أو حلف: إن هذا أخي، وهو يظن أنه أخوه وكان شبيهاً به، أو حلف: إن هذا متاعي أو إن هذا كيس فلان، وهو يعتقد أنه متاعه أو كيسه فتبين خلافه، فإنه والحالة هذه يعتقد صدق نفسه فلا كفارة عليه.
كذلك إذا حلف على فعل مستحيل فلا كفارة عليه؛ لأنه يعرف كذب نفسه، فإذا حلف ليشربن ماء هذا الكوز، وليس فيه ماء، ففي هذه الحال لا يحنث؛ لأنه يعلم أنه مستحيل، وذكروا من المستحيل ما تستحيل قدرة الإنسان عليه، فلو حلف مثلاً أن يقلب هذا الإناء ذهباً أو يقلب هذا الماء لبناً، فهذا مستحيل، فلا تكون عليه الكفارة؛ لأنه يعلم أنه لا يقدر.