بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فالفقه في الدين من نعم الله تعالى التي يخص بها من شاء من عباده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) .
والفقه هو: الفهم للنصوص من الآيات والأحاديث، واستنباط الأحكام منها، وهذا الفهم هو هبة من الله تعالى ممن شاء الله تعالى ولمن هداه وميزه بهذا الفهم، والناس يتفاوتون في هذا الفهم، فمن مقل ومن مستكثر، وسبب الفهم فتح من الله تعالى وتوفيق، وقوة إدراك، وقوة حفظ واستنباط، وذلك مما يتفاوت فيه الناس.
وقد انقسم العلماء رحمهم الله بالنسبة إلى العلم والحديث إلى أربعة أقسام: القسم الأول: وهبهم الله تعالى الحفظ، فهم حفاظ، يحفظون النصوص، ويحفظون الأحاديث، ويحفظون الأسانيد، حفظ الله تعالى بهم هذه الشريعة من أن يُفقد منها شيء، ويُضرب بحفظ كثير منهم المثل، ولم يكونوا يكتبون، كما روي عن عامر بن شراحيل الشعبي أنه قال: (ما كتبت سوداء في بيضاء) يعني: أن كل ما روي عنه فإنه من حفظه.
القسم الثاني: وهبهم الله الفهم والإدراك، بحيث يستنبطون الأحكام من الأدلة، فيأتيهم الحديث وهم لا يحفظونه ولكن يُكتب لهم الفهم فيه، فيستخرجون منه عشرات المسائل، وأنه يدل على كذا، ويفهم منه كذا، ويستنبط منه كذا.
القسم الثالث: الذين جمعوا بين ذلك، فرزقهم الله الحفظ، ورزقهم الفهم.
القسم الرابع: الذين نقص حظهم من الاثنين: من الحفظ ومن الفهم.
قال الشاعر: فرب ذي حرص شديد الحب للعلم والفهم بليد القلب معجّز في الحفظ والرواية ليست له عمن روى حكاية وآخر يُعطى بلا اجتهاد حفظاً لما قد جاء في الإسناد والعلم قد يرزقه الصغير في سنه ويحرم الكبير فإنما المرء بأصغريه ليس برجليه ولا يديه لسانه وقلبه المركب في صدره وذاك خلق عجب