بقي من كتاب الحدود باب حكم المرتد الذي في الفصل الأول، أما الفصل الثاني فيتعلق بالأطعمة وما يباح منها وما لا يباح، والفصل الثالث يتعلق بكيفية ذكاة الحيوان الذي يذكى وشروطها.
نقول: المرتد: هو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه إذا كفر طوعاً واختياراً بشرط أن يكون مميزاً وأن يكون سليماً عاقلاً، فإذا أكره على الردة فإنه لا يحكم بردته، قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل:106] .
ذكر أن عمار بن ياسر رضي الله عنه عذبه الكفار عذاباً شديداً، وحملوه، وقالوا: لا نخلي سبيلك إلا إذا كفرت بمحمد وسببت دينه فاضطر إلى أن يسبه حتى يتخلص من شرهم وأذاهم، فجاء بعد ما خلوا سبيله باكياً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فعذره رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلت هذه الآية: ((مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ)) ، فعذر الله تعالى المكره ورفع عنه الإثم، ثم قال بعد ذلك: {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ} [النحل:106] يعني: إذا تكلم بالكفر طوعاً واختياراً فعليه الغضب الشديد من الله تعالى، أما إذا كان مجنوناً فإنه مرفوع عنه القلم، فلو تكلم بالكفر فلا يؤاخذ، وكذلك إذا كان طفلاً لا يميز كابن أربع أو خمس أو نحو ذلك، فلو تكلم بكلمة كفر فإنه لا يعاتب لعدم تكليفه، فيكون بهذا الكلام مرتداً، قال الله تعالى: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البقرة:217] يعني: إذا ارتد طائعاً مختاراً ومات على كفره حبط عمله وذكر الله أن الشرك يحبط الأعمال في قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65] ، وفي قول الله تعالى في سورة الأنعام: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:88] ، فالشرك والكفر والردة تحبط الأعمال، وتوجب لصاحبها الخلود في النار.