انتهى ما يتعلق بالزنا، ثم ذكر بعده حد القذف، والقاذف: هو الذي يقذف محصناً.
قال: [فيجلد حر ثمانين ورقيق نصفها، ومبعض بحسابه] .
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور:4] شرع حد القذف حماية للأعراض؛ لأن بعض الناس قد يظلم أحداً فيعيبه فيقول: إن فلاناً زنى مع أنه لم يكن زانياً، وقد عرف أنه لم يكن من أهل ذلك، فهذا الذي قذف محصناً وعابه وألحق به عاراً، أو ألحق به عيباً لا شك أنه قد ارتكب في حقه إثماً وأنه قد ظلمه، فهذا الذي قذف يقول: إن هذا قد نشر عني سمعة سيئة، وألفق بي تهمة شنيعة، فأريد أن أنتقم منه، وأريد أن آخذ بثأري منه، والشرع أنصفه وجعل في هذا القذف حداً، وهو الجلد إذا رمى محصناً أو محصنة بزناً صريح، فإنه إذا لم يكن عنده بينة فعليه الحد، يقال: أنت قذفت فلاناً فائت بأربعة شهداء وإلا فالحد عليك.
فمن قذف محصناً حده ثمانون إذا كان حراً، ونصفها إذا كان مملوكاً، ومبعض بحسابه، فإذا كان نصفه حراً فإنه يجلد أربعين لكونه رقيقاً، ويجلد عشرين لكون نصفه حراً، ومن المراد بالمحصن؟ المحصن هنا: الحر المسلم العاقل العفيف، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور:4] فكذلك الرجال، أما إذا قذف عبداً فقال: هذا العبد زانٍ أو زنى فلان فإنه -والحال هذه- لا حد على القاذف؛ لأن العبد والأمة لا يلحقهما عار كما يلحق الحر، ولأن الزنا معروف وقوعه كثيراً في الإماء والمماليك ونحوهم.