يشترط للرجم ثلاثة شروط: قال: [تغييب حشفة أصلية في فرج أصلي لآدمي ولو دبراً] .
يعني: سواء وطئ في الدبر الذي هو فاحشة اللواط، وطئ ذكراً أو أنثى، أو في القبل الذي هو الفرج، ويكفي تغييب رأس الذكر، أي: إلى حد الختان؛ لأن في الحديث: (إذا التقى الختانان) تغييب الحشفة إلى حد الختان، وذكر الحشفة الأصلية يخرج ما إذا كان له ذكر زائد فإنه لا حكم له.
قوله: [في فرج أصلي] .
لا في فرج غير أصلي، فلو كان هناك -مثلاً- ما يسمى بالخنثى، وكان له فرج غير أصلي أو مشكوكاً فيه فلا يعطى هذا الحكم.
وقوله: [بآدمي] .
كأنهم أرادوا أن ينبهوا على أن من وطئ البهيمة فلا يحد؛ لأن الزنا الحقيقي هو وطء آدمي، يعني: ذكراً أم أنثى.
وقوله: [ولو دبراً] .
صرحوا بأنه إذا وطئ في الدبر فإنه يعتبر زانياً، وقد اختلف في حد فاحشة اللواط الذي هو فعل قوم لوط الذين عاقبهم الله تعالى عليه، يقول الله تعالى: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ} [الأعراف:80-81] ، وفي آية أخرى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنْ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:165] ، اشتهر هذا الفعل في قوم لوط، فنسب هذا الفعل إليهم، ولوط عليه السلام بريء منهم، ثم صارت هذه الفاحشة تسمى اللواط، وفاعلها يقال له: هذا لوطي.
والفعل يقال فيه: لاط فلان، أو لاط به.
ويلوط به، أخذاً من هذه الكلمة، وهي الوطء في الدبر، وحيث إنه مستقبح طبعاً، وأن المفعول به ليس له شهوة في دبره تحمله على أن يبذل نفسه، ولكن قد يكون مكرهاً يكره على هذه الفاحشة، أو يبذل له أجرة على أن يمكن من نفسه، وقد ذكر بعض العلماء أنه إذا قيل له: إما أن تمكننا من نفسك وإلا قتلناك أنه يفضل القتل، يقول ابن القيم: وذلك لأن نطفة اللوطي مسمومة، يعني أنه إذا فُعل فيه فإنه يألف ذلك، وقد يطلب من يفعل فيه والعياذ بالله، فلذلك يفضل أنه يقتل، يقول: اقتلوني ولا أمكنكم من أن تفعلوا فيّ.
ومع ذلك قد انتشرت هذه الفاحشة في كثير من الدول، وهي الفعل في الصبيان وفي الذكور والعياذ بالله، وأصبحت كأنها مألوفة لا تستنكر، وقد وجدت في عهد الصحابة في عهد أبي بكر، كتب خالد لـ أبي بكر: إنا قد وجدنا رجلاً يُنكح كما تنكح المرأة.
فعند ذلك جمع الصحابة فاختلفوا، ثم اتفقوا على أنه يحرق، وذلك لعظم ذنبه، كأنهم قالوا: إن هذا ذنب كبير، فنرى من بشاعته أنه يحرق هذا اللوطي ولو كان هو المفعول به.
وقال بعض الصحابة: إنه يلقى من شاهق ثم يتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط، فإن الله تعالى قال: {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:82-83] أي: من فعل كفعلهم فليس عقوبتهم بعيدة منه، وإذا ألقي من شاهق فقد لا يموت، فبعد ذلك يرجم؛ لأن الله قلب عليهم ديارهم ثم بعد ذلك رجمهم.
والقول الثالث أنه يقتل، واستدلوا بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) ، والقتل يقتضي قتله بالسيف أو نحو ذلك، وذلك زجراً لمن يفعل ذلك، وقضاءً على هذا الفعل الشنيع.
واختيار المؤلف هنا أنه مثل الزنا، أي أن حده مثل حد الزنا، فإن كان محصناً -يعني: قد تزوج- سواء الفاعل أو المفعول به فإنه يرجم، وإن كان لم يتزوج سواء فاعلاً أو مفعولاً به فإنه يجلد ويغرب، ولذلك قال: [ولو دبراً] يعني: ولو كان الفعل في دبر، أي: دبر آدمي.
وأما إتيان البهيمة فلم يذكروا ذلك؛ لأن الحديث الذي ورد فيه يظهر أنه فتيا من بعض الصحابة: (من وطئ بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه) ، فيظهر أنه فتوى من بعض الصحابة.