تقدمت دية أعضاء الإنسان، وعرفنا ما يجب فيها، وإذا كانت عمداً فقد تقدم أن المتعمد لا يستحق أن يساعد، بل تكون عليه كلها، وإذا كان القتل أو نحوه خطأ أو شبه عمد فتتحمله العاقلة.
يقول المؤلف: [وعاقلة جانٍ ذكور عصبته نسباً وولاء] .
الذكور فقط من العصبة، إخوانه وبنو إخوته، وأعمامه وبنو عمه، وأعمام أبيه وبنوهم وبنو بنيهم، وأعمام جده وبنوهم وبنو بنيهم، وذكر بعضهم أن العاقلة إلى الجد الخامس أو السادس، ويسمون عاقلة لأنهم يدفعون الدية، والدية تسمى عقلاً، ولماذا سميت بهذا؟ لأنهم يأتون بالإبل بعقلها، والعقال هو الحبل الذي تربط به يد البعير أو رجله إذا برك.
عقل وانعقل أي: ربط حتى لا يثور، فهؤلاء هم عاقلة الرجل من النسب كالقرابة، وكذا ولاء العتاقة، إذا كان له عبيد قد أعتقهم أو أعتقهم جده وكانوا من الأسرة أو القبيلة صدق عليهم الولاء وأنهم عاقلة، فيحملون معه دية الخطأ وشبه العمد، وتقسم على قدر عددهم، وتقسط على ثلاث سنين لئلا تجحف بهم، ففي كل سنة ثلثها، فإذا كان مجموع العاقلة ثلاثين رجلاً قسمت الثلاثين على كل واحد ثلاث من الإبل أو ثلاثة آلاف، في كل سنة يدفع ألفاً، أو يدفع واحدة من الإبل، حتى تدفع الدية كاملة، والجاني لا يكلف، وذلك لأنه غير متعمد، فلا يدفع معهم، وبعض العلماء قال: يدفع كواحد، فإذا كانوا ثلاثين فكل واحد يدفع ألفاً في كل سنة، ففي كل سنة يدفعون ثلاثة وثلاثين ألفاً، فهو واحد منهم.
وبعض العلماء يقولون: عليه أن يدفع ربع الدية إذا كان القتل شبه عمد، ويفعل ذلك بعض القبائل؛ لأنهم يرون أن بعض الذين تركبهم الدية يكون معهم شيء من التساهل، سيما حوادث السيارات بسبب السرعة الشديدة، أو أنه يتهور فيسابق غيره ويفعل ما يسمى بالتفحيط أو ما أشبهه، فهؤلاء يستحقون أن لا يساعدوا، أو أن يحملوا بعض الدية أو أكثرها، أو لا تحمل عنهم، وهكذا أيضاً إذا كان يقود السيارة وهو سكران، فلا يستحق أن يحمل عنه؛ لأنه متهور ومخاطر، فالدية تكون في ماله، ولو لبث في سجنه إلا أن يفديه أبوه، أما عاقلته فيرى بعض القضاة أنهم لا يحملون؛ لأنهم يساعدونه على هذه المخاطرة، فيتجرأ دائماً ويقول: إذا حصل حادث فأنا سالم ولا أدفع شيئاً، ويدفع عني أقاربي.
وعلى كل حال فإن دفع العاقلة من باب التعاون مع الأقارب فيدفعونها بحكم الحاكم، ويقدرها عليهم على قدر عددهم.