يقول: [ولا يقتص عن طرف وجرح، ولا يطلب لهما دية قبل البرء] .
أي: قبل تمام البرء.
روي أن رجلاً طعن رجلاً في ركبته بقرن تيس أو نحوه، ولما طعنه في ركبته وصل إلى عظم الركبة أو تحتها، فجاء ذلك المجني عليه وقال: يا رسول الله! أقدني -أي: مكني أن أقتاد منه فأطعنه بقرن كما طعنني- فقال: (اصبر حتى تبرأ، فصبر أياماً ثم جاء وقال: أقدني.
فردد عليه وهو يأكل: اصبر حتى تبرأ، ولكنه استعجل، فمكنه وضرب ذلك بالقرن في ركبته إلى أن وصل إلى العظم) ، فالجاني برئ جرحه بسهولة، والمجني عليه تسمم فعابت رجله وعرج وصار فيه عرج، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: عرجت يا رسول الله.
فقال: (قد نصحتك) يعني: نهيتك عن الاقتياد حتى تبرأ ولكن امتنعت.
فأخذوا أنه لا يقتص إلا بعد البرء مخافة التسمم، أو مخافة التآكل، أو مخافة حدوث عيب أو ما أشبه ذلك.
فلو كان الجرح -مثلاً- في سن قلعه الجاني، والسن مكانه قد يتأثر، فالمجني عليه قال: أريد قلع سنه كما قلع سني نقول له: انتظر حتى يبرأ أثر قلع السن.
ولكنه ما صبر وقال: أريد أن أقلع سنه، فمكنه الشرع وقلع سن الجاني، ثم إن المجني عليه تآكل مكان سنه فاحتيج إلى قلع الأسنان السفلى كلها، فإنا نقول للمجني عليه: أنت استعجلت، فلو تركت الأمر حتى تبرأ ويعلم ما تتأثر به أسنانك لكان أولى لك.
ففي هذه الحال هو الذي استعجل ولا شيء له، فلذلك قالوا: لا يطلب لهما دية إلا بعد البرء.
وقوله: [لهما] الضمير يرجع على الطرف والجرح، فالطرف مثل اليد والعين، والجرح مثل الموضحة التي هي الجرح في العضد والساق، أو الموضحة في الرأس أو في الوجه، فلا يطلب لهما دية قبل البرء، ولا يقتص لهما قبل البرء مخافة أن يتأثر ذلك الجرح ويحصل الضرر عليه.