النوع الثاني من القصاص: الجراح فيما دون النفس، ويراد بها الشجاج، واصطلحوا على أن الضربة المدمية في الرأس أو في الوجه يسمونها شجة، وإذا كانت في الذراع أو في العضد أو في الكتف أو في الظهر أو في الفخذ لا تسمى شجة، بل يقال: جرح.
ففي الجروح قصاص، بشرط انتهائها إلى عظم كالموضحة، وجرح العضد وجرح الساق ونحوهما إذا انتهى إلى عظم ففيه القصاص، وأما إذا جرحه برأسه ولم يصل الجرح إلى عظم الرأس فقال المجني عليه: مكنوني أضربه كما ضربني وأجرحه كما جرحني فلا يمكن، وذلك مخافة الحيف، فربما إذا ضرب أن تصل الضربة إلى العظم، أو تزيد شجة هذا على شجة هذا، فيخاف من الحيف، والقصاص مماثلة ليس فيها جور.
والموضحة هي التي تنتهي إلى عظم، ضربة في الرأس تصل إلى العظم ولا تكسره، ولكن تقرع في العظم، وديتها خمس من الإبل، فلو قال المجني عليه: أنا ما أريد إبلاً ولا غنماً ولا مالاً، ولكن أريد أن أشفي غيظي، أريد أن أجرحه كما جرحني يمكّن، ولكن كيف يقتص؟ هل يقتص بالضرب.
ويقول: إنه ضربني بحجر خرق الدم واللحم ووصل إلى العظم فأضربه بحجر مثله؟ لا يمكن من ذلك، ولكن يمكن من القصاص بسكين أو نحوها يحزه إلى أن يصل إلى العظم، فيحرك طرف السكين إلى أن يصل إلى العظم ويتوقف؛ لقول الله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة:45] .
وكذلك جرح العظم والساق، فلو طعنه في عضده، أو ضربه بحجر محدد أو سكين، فوصلت الضربة إلى عظم العضد أو عظم الساق أو عظم الظهر وقرعت في العظم فقال المجني عليه: لا أقنع إلا بالقصاص يمكّن، فيعطى سكيناً ويقال: اضرب وحز في العضد إلى أن تصل إلى العظم ولا تزد.
ولو قال: إنه ضربني بحجر فأضربه بحجر لا يمكّن؛ لأنه قد يكسر العضد، فقد يضربه ضربة شديدة فيأخذ أكثر مما يستحق.